قسم البدايات
المنزل التاسع الرياضة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى اللهعلى محمد واله الطاهرين
قال الله عزوجل(( الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة )) صدق الله العلي العظيم الاية 60 سورة المؤمنون.
الرياضة : تمرين النفس على قبول الصدق .
من منازل السير الى الله الرياضة الروحية ويستشهد في فاتحة هذا المنزل بالاية الكريمة (( والذين يؤتون ما أ توا وقلوبهم وجلة ))
يعني أن المؤمن يفعل مايرضي الله ويأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه، الا أن قلب المؤمن وجل وخائف، وهذا الخوف النفسي عبارة عن رياضة روحية قلبية، لهذا يقول الماتن الرياضة تمرين النفس والروح على قبول الصدق، بلحاظ الرياضة الشرعية لا الرياضة الباطلة، لان هناك مرتاضون هنود يقومون بخرق العادات وتجري على يديهم بعض الخوارق.
وتكون لهؤلاء قدرات تفوق قدرات غيرهم، على سبيل المثال القدرة على التحكم بالاشياء عن بعد على سبيل المثال ايقاف القطار وغيره من الاليات، مثل هذه الرياضات غير المشروعة يكون المنشأ لفعلها هو الوصول الى تحقيق حالات غريبة وتلقى الرواج.
غير ان السالك في الطريق الى الله لا ينوي رياضته الا بنية وقوع افعاله في ساحة مرضاة الله عز وجل، حيث يمرن نفسه على الرياضات المشروعة مثل الصوم صلاة الليل، ويقوم بكل ما يخالف طليات نفسه الامارة بالسوء، ويصبح الارتياض للسالك بما يخالف هوا نفسه، ويقع موقع قبول الله سبحانه وتعالى.
الشيخ يقول : على ان يمرن السالك نفسه على قبول صدقه لاقوال الله في القرأن والسنة النبوية الشريفة، لان هناك من يفعل بعض الرياضات مطابقة للظاهر بمقتضى الشريعة الا أنه لا يأمل من هذه الرياضة الروحية استحصال الايمان والصدق، انما يفعل ذلك بوحي الرسوم الشكلية والشرعية من دون صدق باطني حقيقي، وقبول احكام الله تعالى سبحانه، لهذا الرياضة وتمرين النفس يسهم في قلب السالك ان يصدق قلبيا بكل ما يفعله ويقوله ومدى مطابقته للشرع الشريف.
يقول الشيخ الانصاري: وهذه الرياضة على ثلاث درجات:
ـ رياضة العامة
ـ رياضة الخاصة
ـ رياضة خاصة الخاصة
1ـ رياضة العامة: فأنها تتحقق بسبب ثلاثة أمور:
ـ تهذيب الاخلاق بالعلم : المقصود بكلمة العلم في كتاب منازل السائرين علم الشريعة.
مما يعني ان السالك يهذب أخلاقه مطابقا لما ورد في الشريعة، لا أن يهذب أخلاقه بما يخالف الشريعة، لا هناك من يرتاضون ويفعلون الرياضات العجيبة والغريبة، انما يفعلون ذلك ببدع بناءا على تخيلاتهم بعيدا عن قول الله ورسوله والعترة الطاهرة.
فأذا علم السالك وحصل على معرفة في علم الاخلاق واكتسب هذا العلم من علوم الشريعة وميزة الاخلاق الحميدة من الرذيلة وهذب اخلاقه، عند ذلك قد حصل على امر ابتدائي من الرياضة العامة
ـ تصفية الاعمال بالاخلاص: والمقصود بالاعمال الشرعية والعبادية التي يقوم بها السالك طيلة حياته في هذه الدنيا، حيث لا بد من أن يقوم السالك بتصفية عمله من الرياء والنفاق، وان يمارس الاخلاص فيما يفعله أو يقوله، فأذا اخلى السالك نفسه من النوايا السيئة واخلص عمله الله، عند ذلك يمكن القول أن السالك قد مارس رياضة شرعية مقبولة لا رياضة مبتدعة.
ـ توفير الحقوق في المعاملة: المقصود بالمعاملة، معاملة العبد مع ربه ومع الناس، أما الحقوق فهي حق الله وحق الناس. فالرياضة العامة لا الخاصة من أصولها أن يراعي السالك حق الله وحق الناس في معاملاته مع الله ومع الناس.
أما الدرجة الثانية من درجات الرياضة الروحية والنفسية فهي:
2ـ رياضة الخاصة: وهذه الرياضة تفتقرالى ملاحظة الامور الثلاثة:
ـ حسم التفرق.
ـ قطع الالتفات الى المقام الذي جاوزه.
ـ ابقاء العلم يجري مجاريه.
فلابد لنا من توضيح هذه الامور الثلاثة، فنقول: أما حسم التفرق معناه ان يقطع السالك تفرقه واشتغاله بأمور على تتصل بالله سبحانه وتعالى، من أمور تنيوية تافهة واشتغالات غير مقبولة عند الله عز وجل، فإذا خرج السالك من عالم التفرق الى عالم التوحيد، عند ذلك يتبين أن السالك قد فعل رياضة مهمة.
ـ قطع الالتفات الى الامر الذي جاوزه: المقصود من هذه الجملة أن السالك عندما يدخل في طريق التهذيب وتصفية النفس والحصول على مقامات عالية في هذا الطريق العرفاني، فهو ـ أي السالكـ في سيره وسولكه يتجاوزعن مقام أدنى الى مقام اعلى، فإذا تجاوز عن مقامات دنيئة الى مقامات عالية لا بد له أن لا يلتفت الى المقام الذي تجاوزه كي يحصل على مقامات عالية مستقبلية. لان الانشغال بالمقامات التي تجاوزها فيما سبق من مراتب روحية وسلوكية، فأن هذا الالتفات يشغله عما يريد أن يقوم به بالمستقبل، على سبيل الفرض أن المقامات المعنوية هي مائة مقام، والسالك تمكن من تجاوز خمسين مقام وبقي النصف لاخر، فإذا أنشغل بالمقامات الماضية والسابقة وهو دائما ما يفكر فيما سبق من معلومات، فهنا تبقى المقامات التي لم يتجاوزها على حالها، لان السالك حبس نفسه في دائرة المقامات التي تجاوزها ولم يتقدم نحو المقامات المتقدمة.
فقد ورد في بعض الادعية الشريفة : ( يا ربي لا تذكرني بخطيئتي) في هذه الجملة من الدعاء سر معنوي، وهو أن الانسان بطبيعة الحال اذا تذكر خطاياه في الماضي فأنه ينشغل عما قدر تظهر له من معاصي جديدة في المستقبل، فهو في هذا الحال يعتمد على الله، ويقول يارب أنت غفار الذنوب ويوكل أمره الى الله عز وجل.
وعلى السالك أن يركز على افعاله واقواله الأنية، لان الانشغال بالذنوب الماضية تبعد الانسان عن مستقبله وتعيقه عن التقدم بالسلوك.
لهذا الشيخ الانصاري يقول: يجب على السالك في طريق الرياضة الروحية أن لا يلتفت الى افعاله السابقة التي تجاوزها من رياضات وامور عرفانية وتهذيبية سابقة، ويعمل على عد العدة للدخول في المقامات التالية له.
ـ أبقاء العلم يجري مجاريه: العلم هنا المقصود من علم الشريعة، حيث أن السالك اذا دخل في رياضات نفسية، وأتى بأعمال ه تكون دقيقة في مسألة معرفة النفس ومعرفة الله، فهو في سيره وسلوكه قد لا يتوجه الى وظائفه الشرعية، فلا بد أن يبقى السالك على مجاري العلم، يعني على السالك مرعاة الظاهر والباطن بشكل مستمر ودائم، فلا يقصر في وظائفه وتكاليفه الشرعية، ويجعل العلم يجري مجاريه، ويطبق دائما ما يقوم من رياضات روحية ونفسية مع الشريعة.
لان بعض السالكين اذا دخلوا في ميدان السلوك والسير والتهذيب، فأن هؤلاء لا يلتفتوا الى التطبيق الشرعي لاعمالهم، لانهم ينشغلون بالباطن عن الظاهر، فلا بد للسالك أن يلاحظ ويراقب أن لا يخرج من ميدان الشريعة المقدسة ولا يقصر في بما عليه واليه من وظائف يقتضي مراعاتها بشكل دائم ومستمر.
ثم يدخل الشيخ الانصاري في بيان خاصة الخاصة ويقول: الرياضة الاعلى هي هذه الامور:
ـ تجريد الشهود
ـ الصعود الى الجمع
ورفض العارضات والمعاوضات
أما تجريد الشهود فيعني أن السالك عندما يدخل في رياض أدق من الرياضات السابقتين، فأن السالك يحصل له التجرد الشهودي، وذلك نتيجة للممارسته الرياضةالروحية والتي أدت به الى التجرد من نفسه الامارة بالسوء ويحصل في قلبه ونفسه شهودات مع الله سبحانه وتعالى، عند ذلك يكون السالك قد حصل الى مرتبة أعلى من الرياضة الروحية.
ثم يقول: الصعود الى الجمع، هو أن يجمع السالك افكاره وافعاله لكل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، مما يعني كل الافعال القلبية والظاهرية يجب أن تكون خالصة ونقية الله سبحانه، وعند ذلك وبسسب هذا التركيز الروحي والتجمع للافكار، فأن السالك قد ارتقى الى مرتبة أعلى في الرياضة الروحية.
أما قول الشيخ الانصاري : رفض المعارضات المعاوضات، فهذا من الامور المهمة في التي تراعي الرياضات في المستوى الارفع والمتقدم.
أما المعارضات في رياضته القلبية الشاقة، أن السالك يحاول أن لا يفعل مع يعارض خلوصه الله سبحانه وتعالى في سلوكه واعماله واقواله، لان السالح حين يمارس الرياضات الروحية قد يصطدم في سلوكه الروحي والقلبي ما يعارض واساوسه المرهقة، فهنا لا بد من أن يتخلص السالك من هذه الوساوس والمعارضات لاخلاصه وصدقه في السلوك.
واما المعاوضات : فهذا يعني أن السالك وعبر سلوكه ورياضته أن لا يطلب من الله عوضا عما يقوم به من رياضات شاقة ومرهقة رغم كونها شرعية والتي تكون مناسبة لخلوصه وصدقه، فلا ينتظر من الله تعويضا، لان ما يقوم به السالك لا يريد من ورائه الحصول على الجنة واو الهروب من النار، لا هناك من يتاجر في عباداته واعماله مع الله كما يقوم به التاجر، لكن السالك المخلص لا ينتظر العوض، لان اعماله لوجه الله تعالى ، لان من الناس من يعيد الله تجارة ومن الناس من يعبد الله فرارا من عذاب الله.
لان السالك يرى أن الله أهل للعبادة، فهو في افعاله ينوي الخلوص الله سبحانه، ويفعل ما يفعله حبا الله لا طلبا لعوض منه سبحانه، لذلك الشيخ الانصاري يؤكد أن السالك في رياضاته لا يعارض ولا يعاوض في رياضاته مع الله سبحانه وتعالى……..
وصلى الله على محمد وال محمد