بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم وفقنا ووفّق المشتغلين بالعلم والعمل الصالح.
كنا قد ذكرنا في الدرس السابق أن المحاسبة وهي المنزل الثّالث من مائة منزل في السير والسلوك، منزل المحاسبة لها أمور ثلاثة، ذكرنا أمرين وبقي الثالث، أما الأمران فهما: أن يقيس في محاسبته مع الله سبحانه وتعالى، يعني قياس وميزانية بين ما أنعم الله عليه من نعم، وبين ما جنت نفسه من معاصي وذنوب، هذه المحاسبة يعطي الإنسان أهمّية في ما يصدر منه من أفعال وأعمال، فبالمحاسبة هذه يراقب أن لا يصدر منه جناية ومعصية ويقدر نعَم الله التي هو مستغرق فيها، العمل الثاني في محاسبة السالك أموره وأحواله هو أن يميّز في محاسبته بين ما له وما عليه، إذا كان قد استمرّ في موضوع ما له وما عليه، ما له من حسناتٍ ومنافع تنفعه في الدّنيا والآخرة في المستقبل في الآخرة، وبين ما يصدر منه أمور تكون هذه الأمور ضرراً ومفسدة عليه وعقابا وعذابا لمستقبله إذاً بهذه المحاسبة سوف يقلل من مخالفاته، وأما الثالث الذي نذكره في هذا الدرس درس هذا اليوم، قوله الثالث: أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكل معصية عيّرت بها أخاك فهي إليك، المميز الثالث في امر المحاسبة بحيث يحصل له ميزة وتشخيص بالنسبة للطاعات والمعاصي فالطاعة التي يرضاها السالك لنفسه ويقول في نفسه أن هذه الطاعات والعبادات هي تكفي، ويرضاها لنفسه من غير إصلاح ومن غير إشكال فيما فعله يعني يرضى العبادة رضاية كاملة ويقول هي مقبولة عند الله وهي مطلوبة من دون ما يفحص ويفتش عن نواياه وعن اغراضه فيما فعله من دون أن يهذب أخلاقه من دون أن يطهر نفسه لتحصل الطاعة طاعة مرضية عند الله، تارة يكون هذا العمل مرضي لله وتارة مرضي لنفسه فإذا هو يستبشر هذه الطاعات ويرضاها لنفسه ولا يقول لنفسه ربما يكون في هذه العبادة مراءاة أو عدم إخلاص قد تكون غير مقبولة وهو يطمئن بأنه نعم هذا العمل مائة بالمائة مقبول عند الله، الخواجة يقول فهي عليك يعني مثل هذه الطاعات مع هذه النية ومع هذا الغرض الغرض الأصلي هو أن يرضى بعبادته يرضى بينه وبين نفسه ما يفكر انو ربما هذه الطاعات التي أرضت نفسه ربما يكون فيها إشكال وخلل فاذا اطمئن بها وقال هي مرضية فهي عليك ترجع الطاعة ضررا على المطيع ضرراً على العابد على من فعل هذه الأعمال والسبب هو أن الطاعة يحب أن تكون مقبولة عند الله لا عند السالك تكون مقبولة عند الله وهذا صعب يعني قد يسقط التكليف يعني مثلاً الصلاة اليومية الواجبة يصليها المكلف الشرعي، لكن مرتبة القبول عند الله مرتبة ثانية ومرتبة مهمة، فالقبول لها شرائط، منها مثلا إذا صلى لا يأتي بمنكر لأن الصلاة الحقيقية تنهى عن الفحشاء والمنكر ومنها أن قلب الإنسان يجب أن يكون طاهرا من النوايا السيئة والخبيثة وهذا بعده ما مطهر نفسه فاذا شرائط القبول غير شرائط التكليف ربما التكليف الشرعي يسقط عن الانسان ظاهريا ولكن واقعيا أن تكون هذه الصلاة مقبولة عند الله لها شرائط أهم.
ثم يقول وكل معصية عيرت بها أخاك فهي عليك، السالك قد يرى ذنباً معصية من شخص وهو ممكن لم يفعل هذه المعصية مثلا نفرض نمثل مثال يجي يسوف واحد ديستغيب الناس فالغيبة من الكبائر، وهو يجد ويجتهد ألا يستغيب أحدا ولكن اذا سمع بأن فلانا استغاب من فلان فورا يروح يواجهه ويصير يعير عليه ويقوله شلون انت مثلا عبد لله وشلون تستغيب وكذا فيبوخ الشخص في معاصيه وهو غافل عن نفسه فاذا عيره بذنوبه ربما هو يرتكب ذلك الذنب بسبب هذا التعيير والاستهزاء والمؤاخذة فالإنسان المعذب قبل كل شيء هو يعير نفسه ويهذب نفسه لا أنه يأتي ويرى الناس الآخرين يذنبون ويعصون ثم يعيرهم ويؤاخذهم بألف مأخذ أنه لماذا يعصون كذا وكذا الخواجة يقول فهي إليك فهي إليك يعني هذه المعصية التي عيرت بها الآخرين ربما أنت تبتلي بها في المستقبل فهي إليك يعني ربما هذه المعصية ترجع إليك. ثم يقول ولا تضع ميزان وقتك من بين يديك أهم شيء للسالك هو مسألة الوقت الوقت ذهب يعني الإنسان يجب يغتنم أنفاسه وعمره ولا يتلفه في شيء لا يرضي الله سبحانه وتعالى فالمحاسبة تعطيك هذا المعنى وهو أنه يجعل لك ميزاناً بحيث لا تضيّع أوقاتك المحاسبة نتيجتها أنك دائما تراقب نفسك أن لا يحصل هناك خلل وأي إشكال في أعمالك مع الله سبحانه وتعالى فلو ورد خلل في عمل من الأعمال معناه أنك قد ضيّعت وقتك وعمرك في مخالفات في معاصي.
إذاً نتيجة المحاسبات الدينية والمعنوية التي الإنسان يراقب ويحاسب ويدقق في أعماله في أفعاله في عبادته عندما يقوم من الصباح الى الليل هذه المراقبات والمحاسبات نتيجتها أنه بعد ما رح يضيع وقته ويجعل الأوقات ذهبية عبادية إلهية بحيث لا يرد فيه أي خلل، هذا ما أورده في باب المحاسبة.
وأما المنزل الرابع فهو منزل الإنابة، الإنابة يعني الرجوع الى الله سبحانه وتعالى، طبعا هذه مرتبة بعد مرتبة التوبة، التوبة مقدمة للإنابة، يعني أنت أولًا تتوب وتترك السيئات من بعده تصير عندك إنابة ورجوع إلى الله أما في حالة المعصية فأنت بعيد عن الله فلابد من انك تترك الذنوب وتتوب توبة قطعية وصادقة، من بعدها يأتي دور الإنابة، قال الله عز وجل وأنيبوا إلى ربكم، ثم يقول الإنابة ثلاثة أشياء:
الرجوع الى الحق إصلاحا كما رجع اليه اعتذارا والرجوع اليه وفاء كما رجع اليه عهدا والرجوع اليه حالا كما رجع اليه اجابة
هذه الامور الثلاثة أيضا ليفرق بين التوبة والإنابة، يعني أنت فيما سبق في باب التوبة رجعت إلى الله وإلى الحق، لكن رجوعك كان فيما سبق، رجوع عذريّ واعتذار، لأنك كنت في مقام التوبة عن المعاصي فكنت تعتذر إلى الله بأنك قد ارتكبت الذنوب وهكذا تعتذر وتبكي على خطاياك في الماضي وتعتذر عند الله سبحانه وتعالى لأنك قد خالفت أوامره وارتكبت نواهيه، الرجوع إلى الحق إصلاحاً كما رجع إليه اعتذاراً، في مقام التوبة اعتذرت مما ارتكبت، لكن يأتي دور الإصلاح، بحيث لا ترجع إلى ما ارتكبته سابقا، دور الإصلاح يأتي بعد دور الإعتذار، دور الإصلاح يختص بالإنابة المنزل الرابع، ودور الإعتذار كان فيما سبق في باب التوبة ثم يقول، الأمر الثاني الرجوع إليه وفاءً كما رجع إليه عهداً، يعني أنت في باب التوبة عاهدت الله على أن لا ترتكب ذنبا من الذنوب في المستقبل الآن يأتي دور الوفاء أن تفي بعهدك فيما مضى في باب التوبة، في باب الإنابة يجب عليك أن تكون مصراً على أن تفي بالعهود والمواثيق السابقة التي صدرت بينك وبين الله في منزل التوبة، وأما الأمر الثالث: الرجوع إليه حالاً كما رجع إليه إجابة.
يعني أنت في مقام التوبة لبيت دعوة الله، الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: توبوا إلى الله جميعاً. فنادى الله سبحانه وتعالى بأن العباد يجب أن يتوبوا من معاصيهم جميع الناس يجب أن يتوبوا الى الله وأنت أحدهم لبيت دعوة الله وقلت في نفسك مع الله إني أتوب وتائب ومنقطع عن الذنوب والمعاصي، هذا ما فعلته سابقا ثم استغفرت بلسانك وهكذا. لكن في باب الإنابة وهو المنزل الملحق بالتوبة المنزل الرابع، أنت تريد أن ترجع لأحوالك إلى الله لا فقط إجابة لدعوة الله، صحيح أنك قد أجبت دعوة الله، وتبت اليه لكن بعد باقي عندك انك يجب ان تتحول التحول الذاتي التحول المعنوي الذاتي للسالك هذا بعد لم يحصل، يعني انت قلت مثلا بلسانك قلت استغفار اجبت داعي الله كل ذلك فعلته في باب التوبة لكن هل حصل عندك احوال وتغير في الذات. التغير الذاتي يحتاج الى عناية أكثر والى توجه أكثر، فالخواجة يقول أنت في باب الإنابة ترجع اليه حالاً كما رجعت اليه فيما سبق اجابة لدعوة الله ثم يقول وإنما يستقيم الرجوع اليه اصلاحا بثلاثة أشياء، بالخروج من التبعات، والتوجع للعثرات، واستدراك الفائتات.
وإنما يستقيم الرجوع اليه وفاءً بثلاثة اشياء بالخلاص من لذة الذنب وبترك استهانة أهل الغفلة تخوفا عليهم مع الرجاء لنفسك وبالإستقصاء في رؤية علل الخدمة
وإنما يستقيم الرجوع إليه حالاً بثلاثة أشياء: بالإياس من عملك ومعاينة اضطرارك وشيم برق لطفه بك.
الخواجة حيث وضح فيما سبق وقال ان الإنابة الى الله تفتقر الى أمور ثلاثة الرجوع الإصلاحي، الرجوع الوفائي، الرجوع الحالي، هذه أمور ثلاث، ثم فيما بعد يريد أن بيبن كيف أن السالك يرجع الى الله سبحانه بواسطة اصلاحاته النفسية يعني ما هي هذه الإصلاحات وفي المرتبة الثانية يشرح لك أنه كيف أنت تتمكن من وفاء المواثيق والعهود يبين لك أن طريق الوفاء له أمور ثلاثة، يبين لك وهكذا بالنسبة الى الرجوع الحالي والتحولي في النفس ايضا يعطيك تعاليم بالنسبة الى الرجوع الحالي فهنا يجب أن نشرح ونوضح في بيان كيفية الاصلاح وأيضا بيان كيفية الوفاء وايضا بيان كيفية الرجوع الحالي فحسب ما يعطينا الوقت نشرح هذه الامور يقول يستيقن الرجوع اليه اصلاحا بثلاثة أشياء بالخروج من التبعات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات، يعني أيها السالك اذا أردت وصممت أن ترجع بإصلاح نفسك الى الله فعليك بهذه الامور الثلاثة أولا الخروج من تبعات الذنوب، تعرف ان أي ذنب له عقبات وتبعات وآثار سيئة عندما انت تجاوز حقوق الناس وترتكب ذنوبا تمس حق الناس فهذه تبعة، أو مثلا تأتي وتذنب ذنوبا تخص حق الله أيضاً له تبعات وآثار سيئة فلابد من الخروج من هذه العواقب والتبعات التي تحصل في نفس الإنسان وتنعكس على أخلاقه وعلى أفعاله وعلى بيته وعائلته وعلى مجتمعه كل هذه تبعات سيئة، فأنت في مقام الانابة بعد التوبة عليك أن تدقق وتحقق في هذه الآثار السيئة وتخلص نفسك منها بالنسبة لمستقبل أيامك، ثم يقول الرجوع الاصلاحي منها التوجع للعثرات، يعني عندما يحصل لك أي عثرة من عثرات الذنوب ويزل قدمك بعد أن كنت مستقيما وتائبا مع الله، لكن أنت بإمكانك أيضا أنت غير معصوم ممكن أن تتعثر بعثرة وأن يزل قدمك فيما كنت مستقيما في طريق الله هنا الخواجة يقول إذا عثرت بعثرة وتوجعت في نفسك التوجع من الوجع والالم يعني تشعر في نفسك ألم وعذاب ووجع تأن أنين وحنين وتقول يا رب لماذا أنا وقعت في هذا البئر وفي هذا العثرة المهلكة، إذا صار الذنب عندك كبيراً في نفسك وتوجعت منه فهذا علامة الإصلاح علامة أنه أنت قد أصلحت نفسك وأما الأمر الثالث، يقول استدراك الفائتات، فإذاً عندنا تبعات وعندنا عثرات وعندنا فائتات، الفائتات يعني التي فات عنك، مثلاً عندك قضاء صلوات إما صلوات واجبة واما صلوات ونوافل مستحبة، هذا في خصوص الصلاة، وعندك أيضاً بالنسبة للصيام بالنسبة لأي عبادة من العبادات لأي طاعة من الطاعات مثلاً باب الخمس باب الزكاة هناك ألف طاعة والف عبادة والف أمر من أوامر الله وليست فقط اوامر الهية انما هناك نواهي ومحرمات ارتكبتها، وكل هذا الأعمال فاتتك الفرصة فلابد من أن تجبرها وتستدركها بأعمال صالحة ، نعم، إذاً لابد من أن تأتي وتحاسب نفسك وتعرف ماذا فات عليك في الماضي كنت جاهلاً كنت شابا كنت مستغرقاً في المعاصي بقي عليك مما ذكرنا مثل قضاء الصلاة قضاء الصوم الحقوق الواجبة التي منها مالية ومنها اجتماعية ومنها ومنها اذاً كل هذه الفائتات في مقام الإصلاح يجب عليك أن تستدركها ولو تدريجيا شيئاً فشيئاً تسجلها عندك في دفتر ثم تقوم باستدراك ما فات منك نقول يا ربنا يا راد ما قد فات يا الله أنت المعين نستعين بك في أمورنا وأحوالنا والعون هو الله سبحانه وتعالى، نطلب منه المعونة اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية اللهم وفقنا لما يرضيك عنا إنك أنت الغفور الرحيم وصلى الله على محمد واله الطاهرين.