2- منزل التوبة قسم الاول

2- منزل التوبة قسم الاول

باب التوبة
إخواني أحبائي تلامذتي المنزل الثاني من منازل كتاب السائرين هو باب التوبة

بمعنى بعدما يحصل في نفس السالك يقظة و تنبه و يدرك بأنه يجب أن يتوجه إلى الله عزو جل بكلّ وجوده

و أن يخرج من طلبات نفسه عند ذلك يُفتح له باب التوبة. و التوبة؛

هي أن يتدارك الإنسان ما فأته من واجبات و إذا ارتكب محرماً و هذا الحرام؛

قد يتعلق بحق الله عزو جل و قد يتعلق بحق الناس، فمثلاً: ترك الصلاة من حقوق الله عزو جل

و التوبة هنا بمعنى أن تتدارك ما فاتك من صلاة، حینئذ هذه توبة حقيقية. و أما حق الناس فمثلاً:

إذا سرقت من أحد أو ظلمت أحد أو استغبت الغيبة هنا حقان؛ حق الله عزو جل و حق الناس. أما حق الله عزو جل ؛

فقوله تعالى وَ لَا يَغْتَبْ بَعضُكُمْ بَعْضَاً
و عندما يستغيب الإنسان بمعنى أنه ترك هذا النهي الإلهي و ارتكب حرمة فإذن هنا حق الله عزو جل

بمعنى أنه لم يحترم نهي الله عزو جل فهو قد ضيّع حقاً من حقوق الله عزو جل و أما حق الناس في الغيبة من جهة إنّ الغيبة؛

أنْ الإنسان يذكر شيئاً خلف أخیه المسلم المؤمن بحیث إذا سمعه لا يرضى علیه. فالغيبة لها آثار سيئة منها؛

أنك قد تجاوزت و تعديت حرمة الآخرين فعندما تضيّع حرمة المؤمن بسبب الغيبة و تذهب بشخصيته

و حرمته في المجتمع هذا نوعٌ من التعدي و الظلم. فإذن عليك أن تذهب و تأخذ الحلّية من الشخص الذي استغبته.

و کما قلت في الغيبة حقین؛ حق الله عزو جل و حق الناس فلو طلبت الحلّية من الناس و لم تتضرع إلى الله عزو جل

في قبول توبتك هنا تركت حق الله عزو جل. إذن هنا في موضوع الغيبة و ماشابه يكون حقان. فالخلاصة؛

إنّ التوبة هي أن تتدارك ما فاتك و ألَّا ترجع إليها أبداً، فهذه هي التوبة النصوحة و الكاملة.

الخواجة عبدالله الأنصاري رحمة االله علیه عندما يبدأ بذكر المنزل يذكر آية من القرآن الكريم:

وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ثم يقول رحمه الله :« فاسقط اسم الظلم عن التائب»؛

من يتبْ فهو لیس بظالم، إنّ الإنسان إذا ترك التوبة فقد ظلم نفسه و لكن إذا تاب إلى الله‌ عزو جل فهو لم يظلم نفسه

و تدارك طلب المغفرة من الله عزو جل فإذن الذي لا يتوب فهو ظالم و الذي يتوب ليس بظالم.

لهذا نرى أن الخواجه رحمه الله يقول: يسقط اسم الظلم من التائب.

اعرف الذنب ثم تُب
يقول رحمه الله: «و التوبة لا تصح إلّا بعد معرفة الذنب»؛ التائب عندما يتوب عليه أن يعرف الذنوب، كيف يعرف؟

يعرف الذنوب الصغائر من الكبائر، الذنوب التي ترجع إلى حق الله عزوجل و التي ترجع إلى حق الناس.

ثم يعرف إذا ارتكب معصية فهو قد تجریٰ على الله عزوجل و ابتعد عنه دنیویاً و آخرویاً. فالواجب الأول؛

عندما يريد أن يتوب أن يعرف الذنب من غير الذنب. لأنه رُبما يرتكب أمراً ليس بالذنب و هو يعتبر في نفسه هذا ذنبٌ

و رُبما يرتكب أمراً يقول في نفسه هو ليس بذنب و لكن عندما يرجع إلى الشريعة المقدسة و الرسالة العملية

يرى أنه من الذنوب فلابد أن يعرف الذنوب من غيرها، لأن التائب إذا لم يعرف الذنوب كيف يتوب و لهذا یقول الخواجة رحمه الله:

«و هي أن تنظر في الذنب إلى ثلاثة أشياء»؛ عندما تريد أن تعرف حقيقة الذنوب لابد أنك تنظر في ما ارتكبت من أعمال و معاصي.

«وتنظر إلی ثلاث جهات؛ الجهة الأولى: إلى انخلاعك من العصمة حين إتيانه»؛

عندما ترتكب ذنباً قد خلعت نفسك من العصمة من الذنوب.

و العصمة؛ تقتضي ألا تذنب و لكن مع ارتکابك الذنب قد خرجت من حرمة الله عزوجل و

حدود العصمة و هذا أمرٌ عظيمٌ أنك ترتكب ذنباً

و يوجب هذا الذنب أنك تخرج من الحرمة و العصمة و يصبح عندك وقاحةً و جرأةً.

فیجب معرفة الذنب في هذه الحالة من الإنسان.

فالعاقل لا يفعل شيء و يندم بعده و يعرف في نفسه أنه كيف تجرأ و كيف ارتكب هذه الأمور.

حقیقة الاستغفار
ثم يقول رحمه الله:«فرحك عند الظفر به»؛ عندما یظفر العاصي بالمعصية یفرح علی ما عصی.

لكن بعد ذلك يتحسر و يتندم أنه لماذا فعل هذا الذنب.

فالفرح بالذنب في حالة ارتكابه فرحٌ غير مشروع و فرحٌ نفساني فلهذا يجب أن تعرف هذا النوع من الفرح غير مقبول عند الله عزوجل

و لابد أن تداركه بألم و أنين و توبة. و لهذا نرى الإمام علي علیه السلام في تفسير التوبة في نهج البلاغة ؛

عندما يأتي رجلٌ و يستغفر في محضر الإمام علیه السلام و يقول: أستغفر الله، الإمام علیه السلام یرد علیه:

ثكلتك أمك! أتدري ما الاستغفار؟ یقصد إن هذا استغفارك استهزاء و الاستغفار له شروط ثم يذكر ستة شروط، منها؛

أن العاصي عندما ارتكب المعصية و التذ بسبب المعصية، مثلاً: نظر إلى امرأة و التذ من النظر إلی تلک الامرأة غير المَحرم أو أي معصية غیرها.

یقول الإمام علیه السلام:عندما أنت ارتكبت ذنباً و بسبب هذا الذنب التذذت بلذائذ المعصية لابد من أن ترجع و تتوب إلى الله عزوجل

و تصوم و تتضرع إليه و ترتاض برياضات نفسية بحيث هذا الجسم الذي التذ بلذائذ المعصية و قد استغرق بلذائذ الذنوب

يصبح ضعيفاً بالصيام و التوبة و قيام الليل و غيره ثم بعد هذا الضعف الجسمي، ينبت اللحم و العظم في جسمك إلى عظم جديد و لحم جديد.

و هذا بمعنى الفرح و اللذة من المعصية يجب أن تجبره بضعف جسمي و رياضات نفسية حتى تصح منك التوبة.

إن الله عزوجل ینظر إلیك
الأمر الثالث يقول رحمه الله: «قعودك على الإصرار عن تداركه مع يقينك بنظر الحق إليك»؛

من لوازم معرفة الذنب أنك لا تصرّ على الذنب عندما تتوب إلى الله عزوجل فعليك أن تقعد و لا تكرر الذنب،

یعنى في المرة الأولى أذنبت ذنباً واحداً ثم تندّمت فالتوبة الصحيحة أن لا ترجع و تعود إلى الذنب ثم تتوب.

لأنّ هذا استهزاء و تمسخر أمام الله عزوجل، فإذن يجب علیك أن تعزم عزماً قوياً

بحيث لا ترجع إلى الذنب الذي عملته في ما سبق مع يقينك بنظر الحق إليك.

أنت عندما تتدارك الذنوب و تتوب إلى الله عزوجل فيجب عليك أن تعرف إن الله عزوجل ينظر إلیك و هو ناظر و حاضر في جمیع الأحوال.

هذا اليقين القلبي بأن الله عزوجل ينظر إليك في کلّ أحوالك و أعمالك هذا يولّد عندك خضوع و خشوع و يصبح سبب عزم

أن لا ترجع إلى أي ذنب من الذنوب. بعد هذه التوضيحات يقول الخواجة رحمه الله:

«شرائط التوبة ثلاثة أشياء»؛ للتوبة توجد تقسيمات، التقسيم الأول: معرفة الذنوب

و التقسيم الثاني: شرائط التوبة و التقسيم الثالث:حقائق التوبة، التقسيم الرابع: أسرار حقيقة التوبة،

التقسيم الخامس: لطائف سرائر التوبة. ثم في الآخر يقسم التوبة إلى ثلاث أقسام:

توبة عامة الناس و توبة المتوسطة و توبة الخاصة. و سنتعرض إلى ذكر هذه التقسيمات في دروسنا المستقبلية.

بعد التقسيم الأول حول معرفة أصل الذنب، يذكر شرائط للتوبة.

الندم في التوبة
الشرط الأول: الندم؛ العاصي عندما يعصي إذا أراد أن يتوب إلى الله عزوجل

فلا بد من أن يظهر في نفسه ندم على ما فعله في الماضي.

فإذا لم يندم نفسياً و لو یذكر على لسانه ألف مرة الاستغفار و يقول استغفر الله

لکن في نفسه ليس متندم فهذا غير تائب. فشرط الأول هو الندامة. الثاني: الإعتذار؛

أن يعتذر عند الله عزوجل ممّا فعله و أيضاً يعتذر عند الناس لو كان الذنب فیه حق الناس.

الثالث: الإقلاع؛ أنك تخرج من ذنوبك كاملاً یعني أن تقلع من الذنب قلعاً باتاً و ألا ترجع إلى الذنب أبداً

و أن تترك الذنوب حتى تصح التوبة منك و إلّا ليست هذه بتوبة و لو قلت ألف مرة استغفرالله.

تعظیّم المعصیة في النظر
و أما التقسيم الثالث: و هو حقائق التوبة؛ إذا أردنا أن نتعرف على حقيقة التوبه علينا أن نتفهم هذه الأمور الثلاثة.

الأمر الأول:تعظيم الجناية و الثاني: إتّهام التوبة و الثالث: طلب إعذار الخليقة. أما «تعظيم الجناية»؛

هذا الذنب الذي صدر منك هو في الواقع جناية جنيتها على نفسك و على الآخرين إذا كان الذنب فیه حقوق الناس.

فلو لم تعظّم المعصية یعني إذا لم تصبح المعصية بنظرك كبيرة و جناية و تخاف من الله عزوجل فأنت غير تائب حقيقة التوبة.

یلزم انك ترجع إلى نفسك و تعرف بأنك قد جنيت جناية كبيرة. الثاني:«إتهام التوبة»؛

هذه التوبة التي أنت اشتغلت بها و نفرض أنك تندمت و قمت بحنين و أنين و تضرع و صوم و رياضة و

ماشاكل ذلك كلّه مع ذلك تتهم هذه التوبة و تقول: ياربّ إن توبتي هذه أمام عظمتك هي صغيرة

و ليست بتوبة كاملة و حقيقية. فإذا تنبهت إلى هذه النكتة فأنت قد فهمت التوبة على حقيقتها.

و أما الثالث:«طلب إعذار الخليقة»؛ الخلق هم الناس فمن حقيقة التوبة إذا كان الذنب يمس حرمة الآخرين و

قد ضيّعت حق من حقوق الناس فلا بد من أنك تذهب و تطلب العذر من الناس عند ذلك تكون التوبة توبة كاملة

و إلّا إذا لم تعتذر من الناس فأنت توبتك ناقصة و ليست كاملة،

فحقيقة التوبة أن تعظم الذنب و ألّا ترى التوبة في نفسك أمراً عظيماً و أن تعتذر من الناس.

منزل-الثانی-التوبه

جدول المحتويات