8- منزل الفرار
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين وصل الله على محمد واله الطاهري
المنزل الثامن//باب الفرار
قال الله تعالى( فَفِرُّوا إِلَى اللَّه )
(الذاريات /آية50)
الفرار هو الهرب مما لم يكن الى ما لم يزل
هذا المنزل يسمى بمنزل الفرار والمقصود من الفرار ان يفر السالك من تعلقاته ومن نفسه ومن كل شيء الى الله الواحد الاحد الصمد حيث ان الله يقول في القرأن الكريم (ففروا الى الله ).
الفرار : هو الهرب مما لم يكن الى ما لم يزل.
ما لم يكن يعني الدنيا وما سوى الله فأنها لم تكن في الازل ثم كانت يعني تكونت بأمر الله سبحانه فالفرار يكون من كل شيء هو لم يكن وكان امره امرا عدميا في السابق ثم كان يعني من الاشياء التي تزول الى ما لم يزل الى الله الذي لم يزل حيً قادرا عالما مستجمعا لجميع صفات الكمال.
فالانسان السالك العارف الكامل يصل الى هذا النتيجة وهو الفرار من كل شيء سوى الله الى الله الباقي ،يعني ان تهرب من الفاني الى الباقي وهو الله سبحانه
ثم يقول هذا الفرار على ثلاث درجات :
١: فرار العامة
٢: فرار الخاصة
٣: فرار خاصة الخاصة
اما فرار العامة ففيه ثلاث امور
الامر الاول في فرار العامة : فهو من الجهل الى العلم عقدا وسعيا ، الجاهل يفر من جهله ، لا يحب الجاهل ،يكره ان يبقى في حال الجهل، اذن فهو يفر من جهله الى العلم والعلماء وفراره عقد وسعي.
اما العقد : يعني انه يعقد قلبه ونفسه على ان يتحول من عالم الجهل الى عالم العلم والنور ،عندما يعقد ويقر على انه لا بد من هذا الفرار يتعاقد ذلك السعي والحركة الى جهة العلم ،اذن الاول هو قراره النهائي والثاني هو سعيه على ما اقر واثبت عليه
ومن الكسل الى التشمير حذرا وعزما
الامر الثاني (فرار العامة) :هو انهم يفرون من الكسل والضجر والقعود الى الحركة والفعالية وذلك حذرا وعزما،الحذر بمعنى انَ هذا الانسان يتجنب ان يبقى في حال الكسل ويعزم على ان يفر من هذه الحالة الى حالة التحرك والفعالية
اذا لم يحصل هذا المعنى فهو متقاعد ويتبع كسله في الامور.
اما الامر الثالث في فرار العامة فهو انهم لا بد ان يفروا من الضيق الى السِعى ثقةً ورجاءًا هنا كلمتان..
كلمة الضيق وكلمة السِعى،فما هو المقصود من هاتین الكلمتين؟
الذي لا يحب ان يبقى في دائرة مضيقة ويريد ان يتوسع في حركته وعلمه وقربه من الله سبحانه وتعالى طبعا لا يحصر نفسه في مضايقات ويخرج من هذا الضيق الى عالم السعه وعالم السعى هو عالم الانطلاق الی الله سبحانه وخروجه من الضيق الى السعه من جهة انه قد استوفق في نفسه بأنه لا بد من هذه الحركة وعندما يثق بأنه لا بد من الخروج عند ذلك يرجوا ان يصل الى ما هو يسعى اليه وخلاصة ما ذكرناه، العامة يسعون ان يفروا من جهلهم الى علمهم ومن كسلهم الى حركتهم ومن ضيقهم الى وسعهم .
واما فرار الخاصة من الخبر الى الشهود ومن الرسوم الى الاصول ومن الحظوظ الى التجريد
هذه ايضا امور ثلاثة لا بد للخواص ان يلتفتوا لمثل هذه الامور
الفرار الاول للخاصة ان يفروا من مرحلة الخبر (والمقصود ما الخبر كما ذكرنا في الباب السابق
الخبر:هو قول الله في القرأن وقول الرسول وعترته في الاحاديث والسنة.
هذه الشريعة المقدسة اذا مشى فيها السالك واتبع ما هو مذكور في الشريعة من احكام واعمال لابد منها بعد العمل والتمسك بضاهر الشريعة بنية انه اذا عمل بالشرع سوف يصل الى معرفة الله عند ذلك يحصل له بممارسته شهود عرفان في قلبه
واما الامر الثاني في فرار الخواص من الرسومات العرفية الى الاصول الثابته في الشريعة المقدسة ،يقتضي للسالك ان يفر من الرسومات الغير مطلوبة عند الله سبحانه وتعالى ،من رسومات وعادات عرفية اجتماعية هي من نوع البدع لم يكن لها اساس ،كما نرى فيما نصتدم مع هذه الرسوم في المجتمع وخاصةً مجتمعنا في هذا العصر لا بد من ان يفروا الخواص من العادات التي اخترعوها من انفسهم یفروا الى الاساس والاصل الديني الخالص.
واما الامر الثالث في فرار الخواص فهو الفرار من الحظوظ الى التجريد ،يهرب من حظوظ نفسه الى ان يتجرد منها لله سبحانه لان الحظوظ الدنيوية والنفسیة اذا تعلق بها لا يمكنه ان يتقرب الى الله فلابد من التجرد منها وان يدخل في عالم التجرد من هذه الحظوظ التي هي غير مؤاتيه للصعود والعروج الى الله سبحانه .
واما فرار خاصة الخاصة(يعني انه هناك فرار عام وفرار خاص وفرار اخص ،ولقد بينا العام والخاص واما الاخص او بعبارة اخرى خاصة الخاصة.
فرارهم مما دون الحق الى الحق ثم من شهود الفرار الى الحق ثم من الفرار من الفرار الى الحق
الفرار الثالث من انواع الفرار :فرار ارقى من المرتبتين اللتين اوضحنا فيما سبق لان هذا الفرار نوعيته وكيفيته تختلف هذا الفرار هو فرار ارقى وارفع حيث ان الانسان السالك الذي يتقرب الى الله سبحانه وتعالى ويريد وصال الله فهو يفر من كل شيء هو دون الحق الى الحق المتعال انه يفر قلبا وقالبا مما سوى الله الى الله سبحانه وايضا يفر من شهود الفرار الى الحق هو في الاول بسبب فراره من غير الله الى الله يشهد في نفسه فرارا وهربا من الادنى الى الاعلى لكن هذا الفرار المعنوي في نفسه لابد من ان يفر منه،لماذا ،لانه يرى في نفسه عجبا بالفرار الذي حصل في نفسه وهذا العجب يجعله يبتعد عن المقصد الاعلى وهو معرفة الحق (جل وعلى) اذن لابد لمثل هذا السالك ان يفر من شهوده للفرار الى الحق ،يعني يتوسل للحق سبحانه بأن لا يرى في نفسه فرارا بل يرى الله في نفسه لهذا لابد له ايضا فرارا اخر لهذا يقول ثم الفرار من الفرار الى الحق
فهو في المرحلة الاولى يفر من غير الحق الى الحق
ثم يفر من شهوده للفرار الى الحق
ثم يفر ايضا من هذا الفرار الذي حصل في نفسه ايضا من هذا يفر الىمن الی الحق تعالى لان المقامات المعنوية ايضا قد تدخل في نفس السالك عجبا وغرورا فلابد من الفرار والهرب الى الله سبحانه والاستعانة به ان يخلصه من هذا العجب وان يفر اليه فرارا تاما كاملة.
وصل الله على محمد واله الطاهرين