14- منزل الخشوع

14- منزل الخشوع

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، اللهم وفقنا ووفق المشتغلين بالعلم والعمل الصالح.
المنزل الرابع عشر من كتاب منازل السائرين وهو باب الخشوع.
قال الله تعالى: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق سورة الحديد آية ١٦
هذه الآية الكريمة يذكرها المؤلف في بداية منزل الخشوع، وذلك لأجل أن لفظ الخشوع ورد في هذه الآية حيث قال أن تخشع قلوبهم لذكر الله. وفي هذا الباب يذكر مراتب الخشوع القلبي لذكر الله، الآية الكريمة هذه تقول:
ألم يأنِ للذين آمنوا، يعني لم يحصل وقت المؤمنين بأن تخشع قلوبهم عندما يذكرون الله سبحانه وتعالى، وكذلك عندما يذكرون القرآن: وما نزل من الحق، وهو القرآن الكريم.
ثم إن المؤلف يذكر تعريف الخشوع، يقول : الخشوع خمود النفس وهمود الطباع لمتعاظمٍ أو مفزَع أو بعبارة أخرى مفزِع. تعريف الخشوع على ما يذكره هو ان خشوع الانسان بواسطة أنه عندما يرى شخصا عظيما، أو عندما يرى ملجأً كبيراً، هذا إذا قرأنا الكلمة بالمَفزَع بفتح الميم، وأما إذا قرأناه بضم الميم المُفزع فهو الذي يُفزع الإنسان أي يخوّفه لانه يحمل في نفسه هيبة وعظمة وكبرياء أو اي جهة من جهات الفزع والتخويف فان النفس تخمد، خمود النفس يعني تواضع النفس ذلة النفس، هذه النفس الانسانية عندما يرى شخصا عظيما يخشع له بمعنى انه يتواضع لعظمته، وهكذا اذا رأى شخصاً هو مفزَع أو مُفزِع، واما كلمة همود الطباع بمعنى ان طباع البشرية هذه الطباع تخمد وتهمد وتذل وتضعف عندما يرا شخصا عظيماً، ثم يقول، وهو على ثلاث درجات، قبل أن نذكر المراتب الثلاثة في الخشوع اريد ان اشير الى ان هذا التعريف وان كان عامّا لكن اذا اردنا ان نجعل هذا التعريف العام تعريفا للخشوع العرفاني، عند ذلك يجب ان نخصص هذا العام، بمعنى ان نفس السالك تتواضع وتخمد عندما يدخل في طريق العرفان والسلوك ويرى عظمة الله سبحانه، يرى الله عظيما في نفسه ويرى الله مفزعا وملجأ يتوجه اليه عند ذلك هذه النفس الطاغية يتواضع ويذل ويخضع ويخشع في مقابل هذا العظيم جل جلاله وعظم شأنه، ثم يقول المؤلّف:
وهو على ثلاث درجات، يعني ان الخشوع ينقسم الى مراتب ثلاثة، مرتبة ابتدائية ومرتبة متوسطة ومرتبة عالية
الدرجة الاولى التذلل للأمر والاستسلام للحكم والاتضاع لنظر الحق. يعني المبتدي في الخشوع اذا اراد ان يخشع قلبه لله سبحانه فلابد له أن يتوجه الى هذه الامور الثلاثة اولاَ يجب عليه ان يتذلل وان يخضع لأوامر الله سبحانه، اينما يجد أمرا يتواضع ونعم يعمل بذلك الأمر الإلهي، ولا يخالف اوامر الله سبحانه وتعالى
اما الثاني فهو الاستسلام للحكم، والمقصود من الحكم احكام الله سبحانه، يعني ان العبد السالك يستسلم ويخشع لما ورد من احكام الهية
الثالث الاتضاع لنظر الحق، الاتضاع من التواضع، يعني السالك يتواضع ويخشع حيث يرى ان الله سبحانه وتعالى هو الحاضر الرقيب الناظر، فاذا كان الحق جل جلاله ينظر لما يفعل وما ينوي، اذا كان الله ناظراً له فلابد ان يخشع لله سبحانه وتعالى، ويعمل بالمراقبات العرفانية والروحانية يراقب ربه في أعماله وحركاته، ثم يقول
الدرجة الثانية من درجات الخشوع ترقب آفات النفس والعمل، ورؤية فضل كل ذي فضل عليك، وتنسّم نسيم الفناء، هنا في المرتبة الثانية في مراتب الخشوع نرى ان الخشوع يترقى لمرتبة اكبر من ما ذكرنا في الدرجة الأولى حيث يقول النفس يجب ان تترقب آفاتها عاهاتها وهكذا بالنسبة للأعمال أيضاً يجب للسالك أن يعمل مراقبة مستمرة فيما يصدر من أفعاله يرى هل هي مطابقة للشرع الاسلامي الحنيف، هل هي مطابق للعرفان العملي الذي يجعل الانسان في رياضة نفسية وفي مراقبة لان تصدر افعاله واعماله على منهج رباني والهي ولا يشوب برياء أو بتظاهر أو بأي آفة من افات اخلاقية ترجع الى النفس او الى العمل ثم يقول الامر الثاني الذي يجب الإلفات اليه في الخشوع المتوسط وهو رؤية فضل كل ذي فضل عليك يعني لمعنى ان هذا السالك يرى فضل من افضل عليه يعني هناك اشخاص مثل عندا معلم عندا مربي عندا اب أم أو مثلا أي شخص يفيده بفائدة يتفضل عليه بفضل وكرم، فاذا هذا السالك رأى فضل الذي من عليه بفضل وكرم اذا رأى هذا الفضل فلابد ان يتأدب امامه ويشكر ما صدر من هذا المفضل الكريم، من مساعدات علمية او مالية او أي فضل لابد أن يتأدب بآداب ويعظم من له فضل عليه يحترمه ويعمل ما يجب على أي شخص هو قد امتنّ بمنن وكرم من أشخاص اما الذي لا يتأدب ولا يرى فضلا من ذي فضل عليه فهو صاحب نفس أمارة يرى الكبر في نفسه ولا يتواضع لغيره فهذا امر مذموم وليس بأخلاقي، الاخلاق الفاضلة تحكم عليه أن يحسب حساب لمن له فضل عليه، واما الأمر الثالث في الدرجة الثانية من درجات الخشوع
يقول المؤلف تنسم نسيم الفناء، علماء العرفان يقولون السالك في سيره وسلوكه الى الله سبحانه، وتهذيبه للنفس الامارة وتحليه بالاخلاق الفاضلة شيئا فشيئاً يصل الى مرتبة الفناء الذاتي في الله سبحانه ومن بعده البقاء بالله المؤلف يقول اذا راقب العبد السالك آفات نفسه وعمله وسعى في ان يهذب نفسه وعمله من الافات وهكذا أيضا رأى فضل الناس عليه فضل الناس عليه فضل من له فضل عليه وعمل بالتواضع هكذا انسان لابد من ان يتنسم في سيره نسيم الفناء، يعني لابد ان يأخذه نسيم الفناء عندما هو يتقيد برياضات نفسية عندما يترقب افات نفسه وأعماله عندما يقوم بتواضع الكامل والتام لمن له فضل عليه هذه الامور هي امور فنائية يعني النفس تفنى بسبب هذه الرياضات الروحية والنفسية ويحصل هناك نسيم من مراتب الفناء في نفسه اما اصل الفناء وحقيقة الفناء وكيف ان الفناء يوصل صاحبه الى وصال الحق فهذه مطالب المؤلف يذكرها في المنازل النهائية من هذا الكتاب، ثم يقول المؤلف الدرجة الثالثة حفظ الحرمة عند المكاشفة وتصفية الوقت من مراءة الخلق وتجريد رؤية الفضل، الثالث من مراتب الخشوع الذي هو اعلى مرتبة في مراتب الخشوع، هذه المرتبة السامية والعالية تتطلب امورا ثلاثة
الامر الاول حفظ الحرمة عند المكاشفة، يعني عندما تحصل له مكاشفة روحية معنوية الهية ويدخل في ميدان الكشف، اما كشف مثالي او كشف يقيني، وسيأتي المؤلف يذكر في باب المكاشفة انواع الكشف، يقول عندما يرى مكاشفة باطنية مع الله فلابد ان يحفظ خذه الحرمة، لان المكاشفات اذا كانت صحيحة ولم تكن شيطانية ونفسانية، فهي توجب أن السالك يلاحظ ملاحظة دقيقة لأنه بسبب ما فعل من رياضات شرعية ومن آداب سلوكية وقضى منازل في هذا الطريق عند ذلك يحصل له مكاشفات وهذه المكاشفات اذا كانت مكاشفات يقينية ومكاشفات صحيحة لابد ان تكون لها حرمة وقدسية، فمن يحفظ هذه الحرمة غير صاحبها وهو السالك في سبيل الله سبحانه وتعالى، اما الذي لا يحترم الانوار والتوجهات المعنوية والمراتب العالية في النفس ولا يراقب لسانه وكلامه واعماله ويفعل ما يفعل ولا يحترم ولا يعمل مراقبة فهذا غير موفق في هذا الطريق لهذا لابد من حفظ للحرمة والآداب في هذا الطريق كل ما تقدم يجب عليه ان نعم يحصل له حرمة مراقبة نفسية مع الله سبحانه وتعالى خصوصا عندما يرى مكاشفات باطنية معنوية هي صحيحة مائة بالمائة عندما يتشاور مع أستاذه في الأخلاق والعرفان ويقول له هذه مكاشفة صحيحة فلابد ان يحفظ الحرمة ثم يقول تصفية الوقت من مراياة أو مراءاة الخلف، يعني السالك يجب عليه إذا أراد أن يحصل له خشوع أعلى لابد له أن يصفي وقت عباداته وأعماله مع الله أن يصفي هذا الوقت من الرياء، من ان يتظاهر للناس في عباداته وأذكاره وخلواته لابد أن يصفي هذا الوقت من أن يدخله آفة الرياء لأن الرياء إذا دخل في عباده يفسدها إفسادا تاما ولا يقبل الله من المرائي هناك رواية تقول يؤتى بالعبد فيقال له يا كافر يا مرائي يا فاجر، خذ أجرة أعمالك ممن عملتَ لهم يعني ليس لك عندنا شيء لان كل اعمالك في الدنيا كان للناس ولم يكن خالصا مخلصا لله سبحانه وتعالى فالخشوع الأعلى هو حفظ الحرمات، الخشوع الأعلى هو الخلاص من الرياء ومما يفسد الأعمال ووقت السالك وقت السالك وقت ثمين كل أنفاس السالك وكل ما يمضي من زمان وأوقات في أي مكان وفي أي عمل تحتاج الى مراقبة تامة والى حفظ الخشوع الالهي في ما يفعل واما الامر الثالث فهو تجريد رؤية الفضل، يعني يجرد نفسه اذا أراد أن يحصل على خشوع أكبر وأعلى لابد من ان يجرد نفسه من رؤية فضل، يعني لا يرى لنفسه فضلاً على الآخرين يعني يرى نفسه أدنى من الآخرين من الناس، لأنه لا يضمن عاقبة أمره خاتمة اموره وعمره طالما الانسان هو في هذا الدنيا وفي هذا الحياة ولم ينتقل الى العالم الاخر ولم يحصل وقت اجله وموته ولا يعرف كيف هل هو من اهل الخير او من غيرهم لان الأهم هو عاقبة الامور لهذا ورد في الدعاء اللهم اجعل عواقب امورنا خيرا.  الانسان لا يدري هل يتم عمره في سوء من الخاتمة او في حسن من الخاتمة فحيث لا يدري كيف يكون لابد ان يرى نفسه أدنى من غيره يعني يرى الناس في نفسه هم أحسن منه في أعمالهم ونياتهم وافعالهم عند الله لانه لابد هذا الفاسق الفاجر الذي اراه في الشارع هذا يتم امره الى خير وهو يتم امره ال  غير خير الى شر الى سوء عاقبة فاذاً من أسباب الخشوع هو أن يرى غيره أفضل منه هذا من أسباب وأما الذي يرى نفسه أفضل من غيره يأخذه الكبرياء ولا يأخذه الخشوع والتواضع في نفسه، فإذاً لابد لنا ان نهتم بمثل هذه الامور التي ذكرها المؤلف نسأل الله لنا ولكم حسن العاقبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تمهید لتدریس منازل السائرین آیة الله محمدصالح الکمیلی الخراسانی

جدول المحتويات