17- منزل الورع

17- منزل الورع

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين المنزل السابع عشر باب الورع قال الله تعالى (وثيابك فطهر) سورة المدثر آية 4
الورع توق مستقصى على حذر او تحرج على تعظيم وهو آخر مقام الزهد للعامة و أول مقام الزهد للمريد الشيخ عبدالله الانصاري في كتابه منازل السائرين عندما يصل الى منزل الورع يعرفه بتعريفين وقبل ذلك يستشهد بآية قرانية وهي قوله تعالى وثيابك فطهر اي فقصر لان العرب عرب الجاهلية كانوا يلبسون دشداشة عربية طويلة بحيث هذه الدشداشة تمس الارض وهذا كان نوع من الفخفخة والتكبر لان يلبس لباسا طويلا يفتخر به لهذا القرآن نهى عن ذلك المخاطب طبعا المخاطب هو الرسول ص ولكن المراد به الامة الاسلامية في كثير من موارد القرآن المخاطب هو النبي ولكن مراد الله من النبي هو نبي الامة لان النبي هو طبعا ورع كامل في ورعه وزهده وتقواه وهو لايفعل مثل هذه الافعال  فاذا المقصود هو الامة وهذا الشكل من الورع هو طبعا ورع  أخلاقي  ورع معنوي والا الانسان يلبس لباس طويل يمس الارض ليس محرم في الشرع الاسلامي انما من جهة اخلاقية ومن جهة التواضع ان يقصر الثوب وهذا يدخل في باب الورع لان الورع في اصله هو ليس المراد به ترك المعاصي الورع هو اكثر من ترك المعصية الورع ان يتورع الانسان حتى من المباحات سنذكر حتى من خواطر السوء اذا فالمراد من معنى الورع هو اكثر من ترك المعصية لهذا يقولون ليس الواجب في الفقيه المجتهد المرجع ان يكون ورعا ولكن بالنسبة الى اتيان الواجبات وترك المحرمات وتحصيل ملكة العدالة فهذا امر واجب في نفس المرجع الا اذا كان المرجع مرجعا ورعا طبعا يكون افضل من المرجع الغير الورع ولهذا لو دار الامر بين مرجعين مجتهدين متساويان من جهة الفقاهة ولكن احدهما اورع من الثاني هنا يقال بانه المقدم هو المجتهد المرجع الاورع ثم ان الخواجة عبد الله يفسر الورع بهذا التفسير يقول الورع توقي مستقصى على حذر له تعريفان
التعريف الاول هو ان يتوقى السالك سبيل الله يتوقى في الغاية و في القصوى ويكون على حذر تام من الشبهات من حتى المباحات سنبين فيما ياتي كيف يكون هذا السالك ورعا كاملا بحيث يتجنب حتى خواطر السوء فالورع من يكون على حذر في جميع احواله واوقاته هذا تعريف اول
اما الثاني التحرج على تعظيم. التحرج هو ايضا معنى الحذر او بمعنى انه يتحمل الحرج والمشقة في سبيل ان يحصل على صفة الورع ويكون هذا التحرج على صفة التعظيم لله سبحانه وتعالى يعني لماذا يكون السالك ورعا لانه يريد ان يعظم في نفسه الله سبحانه وتعالى فاذا كان لا يبالي بما يخالف هذه العظمة الروحية والنفسية بالنسبة للسالكين اذا كانوا لا يهتمون بالورع اذا هم ايضا لا يهتمون بالتعظيم لله سبحانه فمقتضى التعظيم ان يتحمل السالك المشاق وان يكون ورعا في سيرته واعماله ولهذا يقول المؤلف وهو اخر مقام الزهد للعامة و اول مقام الزهد للمريد بمعنى ان العامة لانه كما في المنازل السابقة ذكرنا ان هناك طوائف من الناس العامة والخاصة وخاصة الخاصة العامة يعني عموم الخلق وعموم الناس الخاصة ورع المتوسطين من السالكين والاخص والذي اعلى مرتبة في ورعه وزهده ومنازله في السير والسلوك هنا المؤلف يشير الى ان زهد العامة يختلف عن زهد الخاصة زهد العامة  هو في ترك المعاصي اما ان يكونوا ورعين فهذا بالنسبة لهم يكون اخر مقام من مقامات الزهد ولكن اصحاب الارادة الالهية المريدون لله الخواص هؤلاء يعتبرون الورع اول درجات الزهد بالنسبة لهم لان هناك من يكون اكثر درجة ومرتبة في الزهد طبعا سنشير الى ان الزهد له منزل خاص والورع له منزل خاص يختلف معنى الورع وحدوده بالنسبة لحدود الزهد ثم يقول المؤلف هو على ثلاث درجات هو يعني الورع ينقسم الى درجة اولى وثانية وثالثة
الدرجة الاولى ( تجنب القبائح لصون النفس وتوفير الحسنات وصيانة الايمان) الدرجة الاولى من درجات الورع هو ان يتورع ويتجنب القبائح.  القبائح جامعة للقبيحة والمراد بالقبح هنا ليس قبح المعصية انما هو كل قبيح وكل ما هو شين ولا يليق بالمؤمن السالك التقي الورع فهو دائما يصون نفسه من كل قبيح حتى من القبائح العقلية يعني اذا ميز في نفسه ان فلان شيء هو قبيح يتجنبه سنذكر حتى خواطر السوء هي قبيحة بالنسبة لمن يريد ان يتحصل على كمالات في نفسه ثم يقول توفير الحسنات لاجل ان يجعل في نفسه الصيانة و لاجل ان يوفر من حسناته فلا بد له من ان يتجنب هذه القبائح وكذلك بالنسبة للايمان هو يقتضي اذا اراد ان يصون ايمانه فلا بد له ان يملك هذا الورع ويتجنب القبائح
واما الدرجة الثانية من درجات الورع (حفظ الحدود عند ما لابأس به ابقاء على الصيانة والتقوى وصعودا عن الدنائة وتخلصا عن اقتحام الحدود) كلمة ما لابأس به في هذا التعبير يختلف عن كلمة القبيح. الدرجة الاولى من الورع كان من اللازم ان يتجنب ويبتعد عن كل امر قبيح حتى ما يحكم عقله ولكن بالنسبة للدرجة الثانية هو بعد ان مارس الدرجة الاولى ينتقل الى درجة اعلى من الاولى وهو ان يتجنب ما لا باس به يعني مثل امور مباحة كالتفريح مثلا يريد ان ياخذ بيد عائلته واولاده ويدخل الى بستان ويتفرح وهذا التفريح ليس امر ضروري بالنسبة له او لعائلته لكن هو يجلس في بيته ولا يخرج الى المنتزهات مع انه امر مباح فاذا ترك ما لابأس به كالمكروهات اذا هو حافظ لحدود الورع لانه في حفظ وصيانته لنفسه من ان يشغله شيء لا يليق بقربه من الله سبحانه اذا هو دائما في ان يحفظ هذه الحدود المعنوية والالهية ولا يبتعد عن الله سبحانه وتعالى ولهذا المؤلف يقول لماذا يحفظ نفسه مما لابأس به لانه يريد ان يبقي نفسه على الصيانة الدائمة وعلى التقوى ويصعد بنفسه عن الدنائات الاشياء الدنيئة مما لا يليق بشان السالك المؤمن التقي. مثلا لو ركب سيارته واخذ بيد عياله واولاده وذهب الى منتزه ولكن هذا المنتزه فيه من العصاة والفاسقين ومثلا النساء العاريات اذا هو يتجنب هذه الامكنة الدنيئة خلقيا الدنيئة معنويا يتجنبها و ايضا يقول تخلصا عن اقتحام الحدود يعني له هو هذا الورع يفرض لنفسه حدودا لورعه بعد ان رتب اموره على حدود اخلاقية معنوية فهو دائما في حذر وتجنب عن يقتحم هذه الحدود اقتحام الحدود بمعنى ان يتجاوز هذه الحدود التي فرضها لنفسه
واما الدرجة الثالثة هو (التورع عن كل داعية تدعو الى شتات الوقت والتعلق بالتفرق وعارض يعارض حال الجمع)هذه الدرجة الثالثة من درجات الورع عندما نشرح ونوضح ستعلم انه اقوى من تلك المرتبتين السابقتين لانه في هذه المرتبة السالك يسعى لان يحفظ وقته مع الله سبحانه وتعالى السالك يسعى لان لا يدخل التفرق في قلبه السالك يسعى لان لا يخرج من التمركز في قربه مع الله سبحانه وتعالى المراد بالجمع يعني التمركز الروحي الذي سعى الى تحصيله بعد ان تمركز في نفسه وقلبه مع الله سبحانه عند ذلك كل ما يزاحمه هذه المزاحمات والمعارضات يتجنبها بالمرة يتجنبها ويبتعد عنها كاملا لهذا يقول في الدرجة الثالثة السالك يسعى لان يتورع عن كل ما يدعوه الى شتات وقته مع الله سبحانه والى ان يتقرب الى المزاحمات والتفرقات عن الله سبحانه وتعالى ويتورع عما يعارضه حال الجمع يعني هناك اشياء او منافيات ومزاحمات تعارض الحال السلوكي للسالك عندما يتحصل على تمركز وتجمع في افكاره وحالاته وحركاته وسكناته مع الله سبحانه وتعالى فلابد من ان يحفظ ان حفظ هذه الحالة التمركزية فاذا اراد ان يحفظ هذه الحالة في نفسه لابد ان يتورع ويتحذر ويتجنب عن كل ما يخالف هذه الحالة فالورع ورع في المرتبة الاولى وورع في الثانية وورع في الثالثة  والافضل ان الانسان السالك الورع ان يتحصل على كل هذه المراتب الثلاثة نسال الله تعالى ان يوفقنا لتحصيل هذه الكمالات الروحية والحمد لله اولا واخرا وظاهرا وباطنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تمهید لتدریس منازل السائرین آیة الله محمدصالح الکمیلی الخراسانی

جدول المحتويات