18- منزل التبتل
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين و صلى الله على محمد و اله الطاهرين
اللهم صل على محمد و ال محمد المنزل الثامن عشر من مئة منزل من كتاب منازل السائرين للمرحوم عبد الله الانصاري
هذا المنزل اسمه باب التبتل
يقول الشيخ الانصاري قال الله تعالى( و تبتل اليه تبتيلا). التبتل الانقطاع بالكلية، و قوله اليه دعوة الى التجريد المحض. نبدأ بالشرح و التوضيح لكلمات الشيخ. استدل على التبتل بقوله تعالى في القرآن في سورة المزمل آية ثمانية قوله تعالى (و تبتل اليه تبتيلا) اي انقطع و ابتهل و تضرع الى الله سبحانه بالتبتيل و المناجاة و الانقطاع اليه
ثم يقول التبتل هو الانقطاع اي انقطاع العبد السالك الى الله سبحانه بكليته بجميع ما في وجوده ان ينقطع عن جميع التعلقات الى الله سبحانه. ثم يقول هذه دعوة يعني ان قوله سبحانه (و تبتل اليه تبتيلا) يأمر الله سبحانه و تعالى عباده و يدعوهم الى التجريد المحض. ان يتجردوا عن جميع العلائق الى الله سبحانه. و هو على ثلاث درجات. الدرجة الأولى تجريد الانقطاع عن الحظوظ و اللحوظ الى العالم خوفا او رجاءا او مبالاةً بحال. يعني هناك ثلاث نوع من الانقطاع. اولا الانقطاع الحظي او الخلقي ثانيا الانقطاع النفسي و ثالثا الانقطاع السبقي. اما الانقطاع الحظي او الخلقي فهو ان ينقطع السالك الى الله من جميع خلقه الى الله، من جميع حظوظه و ملاحظاته الى هذا العالم المادي ينقطع عن جميع الماديات و العلائق اليه سبحانه فهذا السالك كان قبل سلوكه و انقطاعه عندما كان يلاحظ حظوظه و توجهاته الى خلقه الى المخلوق الى العالم المخلوق اما ان يكون من جهة خوفه او من جهة رجائه او بحال من احوال التوجه و المبالاة. المراد بالخوف يعني انه انما يلاحظ الناس في نظره و لا ينقطع قلبه الى الله من جهة خوفه من الناس. يعني هؤلاء يخوفونه و يطلبون منه ان يتوجه اليهم فهو من جهة خوفه يلاحظ انه لا بد من التوجه اليهم و اما ان يكون توجهه الى الناس من جهة رجاءه و انتظاره منهم يعني ربما يكون عنده حاجة فهو يتوجه للناس ليقضوا له حاجته أو من جهة انه في حال من الأحوال يتوجه اليهم و لا ينقطع الى الله. بحال من الاحوال يعني غير الخوف من غير عامل الخوف و من غير عامل الرجاء هو يتوجه اليهم، مثلا من باب المعاشرات او من باب الصداقة و الرفاقة يترك التوجه الى الله و يتوجه اليهم. ثم ان الشيخ الانصاري يعطيك الاسباب و الطرق للانقطاع الحظي او الخلقي. هذه الاسباب اسباب الانقطاع يذكرها في ثلاث امور. الامر الاول بحسم الرجاء بالرضا. اذا اردت ان تنقطع الى الله فلا بد ان تحسم اي تقطع رجاءك بالناس الى الرضا بما قدر الله لك بالله سبحانه. يعني انت لا ترجو سوى الله بل ترجو الله سبحانه و تعالى و ترضى بما قسم الله لك و لا تنتظر من الناس شيئا. هذا هو السبيل الاول للحصول على الانقطاع الكامل. و اما السبيل الثاني فهو قطع الخوف بالتسليم. يعني انت لا تخاف من خلق الله و تسلم امرك الى الله سبحانه و تعالى. يعني تترك المجاملة مع الناس لاجل انك تخاف على مسائل هذه المسائل هي سطحية و نظرية. فلاجل ان تقطع خوفك منهم لا بد ان تسلم امرك الى الله سبحانه فالله الموفق و هو المعين و هو الحافظ. ثم يقول السبيل الثالث للانقطاع هو رفض المبالاة بشهود الحقيقة. يعني عندما تدخل في الحقايق الالهية و تدرك الله سبحانه و تعالى في افعاله و في انقاذه لعباده من المهالك هذا التوجه لله و هذا التوجه لشهود الحقائق الالهية يعطيك هذا المعنى و هو ان ترفض المبالاة و التوجه الى غير الله سبحانه. هذا ما اردنا ذكره في موضوع الانقطاع الحظي و الخلقي.
و اما الدرجة الثانية من درجات الانقطاع الذي هو اعلى محتوى و مطلوبا من الدرجة الاولى. يقول هو تجريد الانقطاع عن التعريج عن النفس بمجانبة الهوى و تنسم روح الانس و شيم برق الكشف. اذا اردت ان تنقطع عن ان تعرج على طلبات نفسك و شهوات نفسك، تنقطع الى الله سبحانه، فلا بد لك من هذا الأمور الثلاثة. الامر الاول، مجانبة الهوى بمعنى انك تتجنب من كل اهواء نفسك الامارة بالسوء، من كل طلبات النفس، تتجنبها بقوة و بسلوك. ثم يقول تنسم روح الانس، التنسم من النسيم، النسيم هو الهواء و المناخ الطيب مثلا عند الصباح الانسان يستنشق الهواء النظيف و الطيب. فالسالك الى الله اذا تنسم روح الانس بالله سبحانه و عشق و استنشق و تنفس الصعداء، تنفس الانس بالله سبحانه و التوجه اليه و دخل في ميدان العشق مع الله سبحانه و تعالى عند ذلك ينقطع نفسيا و باطنيا ينقطع من جميع مقتضيات نفسه الامارة بالسوء الى الله سبحانه، هذا هو السبيل الثاني. و اما السبيل الثالث يقول شيم برق الكشف. فالشيم بمعنى استشمام ماذا يستشم العبد اذا اراد ان ينقطع الى الله؟ يستشم برق الكشف، البرق هو اللحاظ الالهي يعني النور الالهي. عندما يأتيك نورا من الله و هذا النور هو الكاشف عن الظلمات هو الكاشف عن تبعية النفس و الهوى لهذا عندما تجتنب هوى نفسك و تستنشق روح الانس بالله و ايضا عندما تستشم الانوار الكشفية الالهية كل هذا يعطيك الانقطاع النفساني يعني نفسيا تنقطع الى الله سبحانه وتعالى هذا ما ذكره في الدرجة الثانية من درجات الانقطاع. و اما الدرجة الثالثة و الأخيرة فهي تجريد الانقطاع الى السبق بتصحيح الاستقامة و الاستغراق في قصد الوصول و النظر إلى اوائل الجمع. قلنا سابقا ان الشيخ الانصاري قسم الانقطاع الى ثلاث قسم، القسم الاول الانقطاع الحظي او الخلقي ثم الانقطاع في النفس الانقطاع النفسي ثم الانقطاع السبقي. ما معنى السبق هنا؟ السبق هو السابق هو القديم و هو الله سبحانه وتعالى. فإن ذاته و وجوده هو قبل اي شيء من الاشياء. هو القديم مقابل الحادث، هو الذي أحدث الحوادث، و هو الذي خلق سواه من عوالم و اشياء. اذا يتجرد العبد السالك من كل شيء الى من؟ الى الله القديم السابق في جميع الامور . الأول في كل حادث. كيف ينقطع انقطاعا تاما الى هذا الذات الربانية الالهي المسبوق عن كل شيء. كيف يتجرد؟ يقول الشيخ الانصاري يتجرد بثلاث طرق. اولا بتصحيح الاستقامة يعني العبد السالك يجب ان يكون مستقيما في طريق سلوكه مع الله سبحانه وتعالى. هذه الاستقامة قد ذكرها الله في القرآن خاطب نبيه فاستقم كما امرت و ايضا يقول سبحانه ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. اذا فالاستقامة شرط في سلوك السالك يعني يجب أن يتابع امر سلوكه و يكون مستقيما و لا يتعب او يتوجه الى غيره سبحانه في تكميل سلوكه. اذا فلا بد ان يصحح هذا الامر الخطير و هو امر الاستقامة في طريق السلوك الى الله حتى ينقطع اليه تماما. ثم يقول و الاستغراق في قصد الوصول يعني اذا كان العبد السالك قاصدا الوصول الى الله سبحانه و تعالى فلا بد ان يستغرق في ذكره سبحانه. ان يكون مستغرقا في ذكر الله لكي يصل اليه سبحانه، هذا هو الأمر الثاني الامر الثالث، النظر الى اوائل الجمع. الجمع هو موضوع مهم عند العرفاء بالله. يقولون لا بد من ان يكون السالك متمركز و قد تجمع جميع حواسه و خواطره و أفكاره في الله سبحانه. هذا التجمع التمركز القلبي بالله امر عظيم و من واجبات السلوك. هل يحصل للسالك ان يجمع جميع افكاره في الله في بادئ الامر؟ طبعا لا يحصل لان هذا يحتاج الى وقت و يحتاج الى ان يتقدم في سلوكه الى ان يحصل له هذا التجمع من جميع حواسه و افكاره يتجمع في الله سبحانه. يسمون هذا المطلب بمقام جمع الجمع فحيث ان هذا الامر يكون في نهايات السلوك لهذا الشيخ الانصاري يعبر بكلمة الاوائل يعني ان موضوع جمع الجمع في مسألة السلوك له اوائل و له اواخر فالذي هو في مقام التبتل و الانقطاع لا يمكنه ان يحصل على نهايات الجمع انما يحصل على مقدمات الجمع. و لهذا يقول لا بد من ان ينظر و يدقق في اوائل الجمع بسبب الانقطاع الى الله سبحانه و تعالى. فنلخص كلام الشيخ في الدرجة الثالثة من الانقطاع و هو الانقطاع الاخير و الأهم من السابقتين يقول انقطاع العبد الى الله القديم السابق يحصل بواسطة استقامة العبد في طريق الانقطاع ثم ان يستغرق في ذكره للحصول على الوصول ثم ينظر و يدقق في أوائل الجمع بمعنى أنه في مقدمات الحصول على مقام جمع الجمع لا بد من انه يمضي في اوائل الجمع يعني انه لا بد من ان يبدأ بأن يمركز قلبه و جميع حواسه في الله سبحانه و تعالى يبدأ بهذا الشيء حتى ينقطع شيئا فشيئا الى الله سبحانه و تعالى.
أسأل الله ان يوفقنا جميعا لما فيه الخير و الصلاح
اللهم وفقنا لما تحب و ترضى و لا تكلنا الى انفسنا طرفة عين ابدا و صلى الله على محمد و اله الطاهرين و السلام عليكم جميعا و رحمة الله و بركاته