20- منزل الرغبة

20- منزل الرغبة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
المنزل العشرون من كتاب منازل السائرين للمرحوم الشيخ عبد الله الأنصاري هو منزل الرغبة ، يقول المؤلف باب الرغبة ، قال الله تعالى : ”  ( وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) ” .
الرغبة أُلحق بالحقيقة من الرجاء وهي فوق الرجاء و عادة المؤلف أنه يأخذ اسم المنزل من القرآن الكريم ، فبما أن هذا المنزل هو منزل الرغبة أخذ المنزل من قوله تعالى في سورة الأنبياء آية ٩٠ ، قال الله تعالى: ” يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ” ، الرهبة هي الخوف و الرغبة قيل أنها الرجاء ، والرجاء والخوف هما عاملان مهمان في أن يترقى العبد إلى المنزل الأعلى من منازل السير و السلوك ولقد قلنا سابقاً أنه يجب أن يكون الخوف والرجاء عاملان متعادلين ، إلا أن المؤلف يفرّق بين الرغبة والرجاء ولهذا ذكر الرجاء في المنزل التاسع عشر ثم ذكر الرغبة في المنزل العشرون.
علينا أن نفهم ما هو الفرق بين مفهوم الرجاء ومفهوم الرغبة ، يقول المؤلف الرغبة أُلحق بالحقيقة من الرجاء وهي فوق الرجاء ، يريد أن يُفرّق بين الرغبة و الرجاء ، يقول وإن الحقوها الرغبة بحقيقة الرجاء ، يعني من يرجو الله سبحانه وتعالى فهو أيضاً يرغب إليه  ، إلا أن ان المؤلف يقول هي فوق الرجاء ، لأن ” الرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق ”  و   ” الرغبة سلوك على تحقيق ”  ، يقول المؤلف إن الرغبة غير الرجاء، إن الرغبة هي مرتبة أعلى من الرجاء ، وذلك لأن معنى الرجاء أن يطمع الانسان إلى المرتبة العالية من المراتب الإنسانية والسير والسلوك ، طبعاً هذا الرغبة في النفس و الطمع يحتاج أن يصل إلى مرتبة التحقق يعني أن يكون السالك محققاً في رجائه ، متى يكون هذا الراجي السالك محققاً في رجائه ؟ عندما يتصل رجائه بالرغبة ، فالرجاء هو منشئ لحصول الرغبة ،  ” الرغبة سلوك على تحقيق” ، يعني بعدما يرجو السالك إلى أن يصعد في مراتب العرفان و التوحيد المعنوي  هذا الرجاء شيئاً فشيئاً يحركه إلى أن يسلك طريق التحقيق في رغبته ، فالراغب هو السالك مع التحقيق ، أما الراجي فله منشأ و طمع في أن يسلك ويصل إلى مقام الرغبة ، ثم يقول المؤلف ” الرغبة على ثلاث درجات ، الدرجة الأولى رغبة أهل الخبر ، الدرجة الثانية رغبة أرباب الحال ، الدرجة الثالثة رغبة أهل الشهود ”
هذه مراتب ثلاثة ، مرتبة ابتدائية ثم المتوسطة ثم المرتبة العالية .
إذاً عندما يقول أهل الخبر يقصد به من يكون خبيرا في علم الشريعة ، لأنه عندما يذكر” تتولد رغبة هذا الخبر من العلم” ، إن كلمة العلم أينما وجدته في هذا الكتاب فهو يقصد بالعلم ” علم الشريعة” وهي طبعاً الشريعة مقدمة للطريقة و الطريقة مقدمة للحقيقة ، إذاً أهل الخبر يتمسكون بالدلائل النقلية و الخبرية من قرآن و من أحاديث أهل البيت ( ع ) وما شاكل .
أما الذي تعهد بالشريعة والتزم بها عملياً وعند ذلك فتحت له أبواب العلوم الإلهية في نفسه فهو ينتقل إلى الحقيقة الربانية و الإلهية وطبعاً ذلك علم يختلف عن هذه العلوم ، علم لدني ، علم إلهي ، لهذا في المرتبة الأولى من الرغبة ، رغبة المتشرعين،  عندما يعملون بالشرع ودساتيره و تعليماته فهذا العمل منهم يبعث على الاجتهاد المنوط بالشهود ، يعني يجد و يجتهد عندما يتعلم السالك أحكام الشريعة النبوية المحمدية ، عندما يعمل بما ورد في الشريعة ، فيجد و يجتهد إلى أن يصل إلى الشهود ، إلى مرتبة الشهود القلبي ، فالاجتهاد في نظر العرفاء يجب هذا الاجتهاد  في الشريعة يجب أن يكون منوطا بالشهود المعنوي و القلبي يعني منوطا أن يكون هذا الاجتهاد في الشريعة يكون آخره يوصله إلى الشهود العرفاني ثم يقول ”و تصون السالك من وهن الفترة و تمنع صاحبها من الرجوع الى غلاظة الرخص ”. يعني الرغبة الشرعية و العملية بالأوامر و النواهي الإلهي هذا العمل الجاد في الشريعة يحفظ السالك من أن يتهاون في هذه الفترة من عمره التي هي فترة الدنيا لأنه عندما يتعلم احكام الله و يعمل بموجبه عند ذلك لا يتهاون بل يجد و يجتهد في أن يكون عاملا يوما فيوما أكثر مما قبل ثم يقول ”الرغبة الشرعية و الخبرية هذه الرغبة تمنع صاحبها من الرجوع الى غثاثة الرخص”’حيث أن المبتدئ في السلوك الى الله لا بد له من أن يلتزم بالشريعة الإسلامية فهو مع سلوكه لا يتوجه إلى الرخص و المباحات هو يملأ جميع وقته مما يرضي الله سبحانه وتعالى. هو لا يتحمل في البسته هو يقتنع بالكفاف و يشتغل أكثر أوقاته فيما يرضي الله سبحانه وتعالى فهو يبتعد عن جميع الرخص و التجملات و المباحات و لا يقضي وقته إلا فيما يرضي الله سبحانه. هذا بالنسبة إلى رغبة المتشرعين.
الدرجة الثانية رغبة أرباب الحال ما هو المقصود من كلمة الحال .المقصود منه يعني من عمل بأحكام الله في الشريعة المقدسة و التزم بها و من خلال ذلك حصل له أحوال روحية ومعنوية فعندما يحصل للسالك الحالة العرفانية ، عند ذلك يختلف وضعه و أوقاته فيما يفعل وفيما يتجه ، يقول المؤلف الرغبة الحالية غير الرغبة الخبرية ، الرغبة الخبرية تكون مقدمة للرغبة الحالية العرفانية، ثم يعرّف هذه الرغبة بقوله : ” لا تبقى من المجهول الا مبذولاً ولا تدع للهمة ذيولا ولا تترك غير المقصود مأمولاً” ان كنت تريد أن تعرف ما هي الرغبة المعنوية الروحية الحالية بالنسبة  لأهل السير والسلوك فعليك أن تتعرف بهذه العلائم الثلاث .
العلامة الأولى للرغبة الحالية أنك فيما تعمل من جهد ورغبة تصر على هذه المجهودات والتعامل مع الله سبحانه وتعالى و ” لا تبقي في جهدك الا مبذولاً ” يعني بمعنى أنه أنت تبذل كل جهدك في أن تكون مرضياً لدى الله سبحانه ، ” ولا تدع الهمة ذيولا” يعني همتك في هذه الرغبة همة عالية وكاملة ليس لها أي ذيل من الذيول ثم العلامة الثالثة ” لا تترك غير المقصود مأمولاً” ما هو المقصود ؟ المقصود من هذه الرغبة أن تصل إلى الله سبحانه فإذا الغاية و المقصود هو الله إذاً أنت لا تترك أي أمل و مأمول وتفعل كل الهمم و البذل و الأمل والرجاء في أن تصل إلى ذلك المقصود و الغاية المنشودة.
أما الدرجة الثالثة وهي أعلى الدرجات في الرغبة هي رغبة أهل الشهود ، الأولى كانت رغبة من يعمل بالشرع ثم من يعمل بحاله ثم من يعمل بشهوده ، ما هو المقصود من الشهود ؟ الشهود يعني أن السالك وصل إلى درجة من السلوك العرفاني بحيث أنه يشهد ما علمه سابقاً وما فعله سابقاً وتحصل الشهودات العرفانية في قلبه والانوار الإلهية تتنور كل معاني قلبه لهذا يحصل له هذه المعاني الثلاث كما يقوله المؤلف ” تشرّفٌ تصحبه تقية وتحمله همّة ٌ نقية لا تبقى معه من التفرق بقية ” هذه علائم ثلاثة لمن تكون رغبته رغبة عالية شهودية مع الله ، العلامة الأولى أنه قد وصل إلى أن يتشرف في محضر الله سبحانه وتعالى ، حصل له هذا التشرف المعنوي و الروحي مع محبوبه ومعشوقه و هو الله سبحانه وتعالى ، أما هذا التشرف الحضوري مع الله ، هذا التشرف تصحبه أمور ثلاثة ، الأمر الأول أن هذا التشرف يكون مع التقية ، فالتقية هنا بنظرنا له معنيان ، المعنى الأول أنه يتقي في أن يفشي ما في قلبه الى الآخرين الذين لا يعرفون و يجهلون في هذه المقامات العالية في العرفان العملي ، فهو يتقي اي يحفظ اسرار العرفان في قلبه و لا يظهر لأحد ، هذا المعنى الأول ، أما المعنى الثاني يرجع الى نفس السالك العارف ، يعني هو دائم الحذر ، السالك دائم المراقبة  ، دائم الحذر يتقي ويكون على خوف وتقوى  من حيث أنه ممكن يحصل منه خطأ و يسقط من عين محبوبه ، ولهذا التشرف الروحي المعنوي تصحبه هذه التقية وهذا الخوف من حيث أنه دائم الخوف و المراقبة ، أما العلامة الثانية ” تحمله همّةٌ نقية ” يعني صاحب الرغبة الشهودية يكون ممن همّته همة عالية و نقية ، لا يتهاون لا يتكاسل إنما هو من أهل الشهود وأهل التشرف و أهل القرب من الله سبحانه وتعالى فطبعاً همّته تكون همّة عالية و نقية من الكسل ، النقاء من الكسل و التهاون و الاشتغال بغير الله سبحانه وتعالى ، أما العلامة الثالثة وهي العلامة الأخيرة ” لا تبقى له من التفرق بقية ” يعني بسبب الرغبة الشهودية في قلبه هو قد وصل لمرتبة بحيث لا للتفرق في أفكاره و خطوراته وفي قربه من الله سبحانه وتعالى أي وصل إلى التوحيد .
التوحيد هو ضد التفرق ، فالسالك عندما تكون رغبته رغبة حضورية شهودية مع محبوبه فهو لا يكون في نفسه اي تفرق  ، كل بقايا التفرق زالت من نفسه بسبب حضوره و شهوده و محضر قلبه مع الله سبحانه وتعالى ، إذاً فهو قد تمركز في التوحيد و أخرج الاغيار من قلبه ، أخرج كل ما يفرّقه من ذلك التمركز ويكون صافياً و عالياً مع الله سبحانه وتعالى ، يكون صاحب تقية و مراقبة وايضاً صاحب همّة عالية وأيضاً صاحب تفرد و تجمع و تمركز في توجهاته القلبية مع الله سبحانه وتعالى والتفرق بجميع أشكاله يزول عن قلبه و حضوره مع الله سبحانه وتعالى ، هذا ما ذكره الشيخ الأنصاري في المنزل العشرين من منازل السائرين.
نرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا وإياكم لفهم هذه المنازل الروحية ثم بعد الفهم أن نعمل بموجبها إن شاء الله و صلى الله على محمد وآله الطاهرين .

تمهید لتدریس منازل السائرین آیة الله محمدصالح الکمیلی الخراسانی

جدول المحتويات