23- منزل الحرمة

23- منزل الحرمة

قال الله عز وجل( ومن يعظم حرمات الله  فهو خير له عند ربه)
الحرمة هي من آداب السالك مع استاذه ومع الأمكنة المقدسة والكتب المقدسة أن يحترم ويقدس مثل هذه الأمور ،حتى بالنسبة لوالديه فإنّ الله يقول: لا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريما ،واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا ، اذاً للوالدين مقام أن اشكر لي ولوالديّ ، على الأولاد ذكورا وإناثاً أن يحترموا آباءهم وأمهاتهم، فكل شيء يكون محترم في الدين الإسلامي يجب أن يحترم ذلك المسلم ، فكيف بالسالك في طريق الله ؟!
إذن على كل من يبدأ هذا الطريق أن يحترم وأن يقدس كل حرمات الله سبحانه مثلاً عندنا الأشهر الحرم (إنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا)، منها أربعة حرم في هذه الأشهر الأربعة رجب وذو القعدة الحرام وذو الحجة الحرام ومحرم الحرام هذه من حيث الزمان أشهر محترمة ولها حرمة، بحيث إن العبد إذا أطاع الله في مثل هذه الأشهر يضاعف له الأجر ،وإذا عصا الله سبحانه يضاعف له العقاب، فإذن الزمان له حرمة مثلاً ليلة الجمعة أمّا بالنسبة للسالك فكل دقيقة وآن  وزمان كل ذلك يجب أن يغتنم بها ويقضيها في طاعة الله سبحانه فالآية الشريفة التي تمسك بها الشيخ الانصاري وسمّى هذا المنزل بباب الحرمة الآية الشريفة قوله تعالى  (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) هذا ما ذكرنا في المقدمة .
أما تعريف الحرمة يقول الشيخ : الحرمة هي التحرج عن المخالفات والمجاسرات ،التحرج يعني الابتعاد عن مخالفة الله سبحانه في أوامره ونواهيه ، المجاسرات يعني أن لا يتجاسر بالنسبة لحرمات الله سبحانه ويحتفظ ويقدس ويعمل بموجب ما هو مكلف من تكاليف شرعية هذه كلها محترمة ،ثم يقول وهي على ثلاث درجات :
الدرجة الأولى : تعظيم الأمر والنهي لا خوفاً من العقوبة فيكون خصومة للنفس ، ولا طلباً للمثوبة فيكون مسترّقاً للأجرة، ولا شاهداً للجد فيكون متديناً بالمراءاة ، فإنّ هذه الأوصاف فإنّ هذه الأوصاف  كلها شعرة من عبادة النفس ، الشيخ الانصاري يقسّم الحرمة إلى ثلاث درجات درجة نازلة ثم درجة متوسطة ثم درجة عالية الدرجة ، النازلة هي أن تعظم أيها السالك أوامر الله سبحانه وتعالى وأيضا نواهيه ، بأن تترك المحرمات وتأتي بالواجبات ، ويجب أن يكون المحرك الأساسي لمثل هذه الطاعة وهذا الإمتثال المحرك الأساسي يجب أن يكون نية خالصة تعظيم لله سبحانه لأوامره لنواهيه لا لإمور أخرى ، لا لخوف من عقاب الله ولا للدخول إلى جنة الله ، ولا للمراءاة للناس، أن ترائي بأنك تحتفظ بالحرمات الإلهية لأجل أن يمدح الناس بك ، وأن يقولوا رجل أو امرأة فاضلة و متدينة و رجل فاضل ومتدين لا بل ليكون كل هذا التعظيم والتقديس للحرمات الإلهية  يكون بنية خالصة صافية لله سبحانه لا خوفاً من العقوبة فيكون خصومة للنفس يعني أنت تخاف من عذاب الله من جهنم لأجل هذا تقوم تصلي أو تصوم أو تحج بيت الله أو ما شاكل هذا الخوف النفساني عبارة عن خصومة مع نفسك يعني أنت مقيد بنفسك  أنت تريد تخلص نفسك من جهنم ومن عذاب الله لأجل ذلك تقدس كلام الله في أوامره ونواهيه تقوم تصلي تقوم أو شهر رمضان تصوم أو تفعل أي أمر أو تترك أي نهي ، كما قال مولانا علي (عليه السلام) :إنّ العبادة على ثلاث أقسام : عبادة العبيد خوفاً من عذاب الله عبادة التجار بمعنى أنه يتّجر مع ربه يفعل العبادات وغيرها لأجل أن يدخل الجنة فهذه تجارة تعتبر  تجارة  هذه الإمام علي يقول :العبادة يجب أن تكون خالصة مخلصة لله وأن تكون مثل هذه العبادة عبادة الأحرار. الأحرار يعني الذين تخلصوا من أهواء أنفسهم تعشقوا بالله سبحانه يعبدون الله حبا وعشقا به سبحانه لا لأجل اي شي غير الله لهذا يقول لا خوفاً من العقوبة فيكون خصومة للنفس ولا طلبا لمثوبة المثوبة هي الجنة فيكون مسترّقا للأجرة. مسترّقاً للأجرة: الاسترقاق هو أن مثلا تدخل سوق الذين في السابق في التاريخ يذكرون  كان هناك سوق يبيعون الإماء والعبيد  فأنت تدخل هذا السوق وتسترّق عبدا أو أمة وتأتي بهم إلى البيت ليخدموك  وذلك طلباً للأجرة لأنه طبعاً أنت لازم تقدمله مكان  ومسكن وأكل وشرب ونفقة وكذا وأجرة  وقد تعطيه جائزة كل هذا إذا أنت طلبت المثوبة والجنة فتكون كل عبادتك من أجل المثوبة والجنة لا من أجل الله سبحانه فهذا الداعي النفساني هذا أيضا داعي غير مقبول ، الداعي الثالث ولا شاهدا للجد ما معنى شاهداً للجد ؟ يعني أنت تشهد ما فعلت من جدية في طاعة الله سبحانه يعني بالليل تقوم تصلي صلاة الليل أو تنفق في سبيل الله فهذه الأعمال يجي بنظرك يعني يجي كبير يعني  عظيم أنه نعم أنا فعلت ما فعلت كذا عبادات كذا صلاة ليل كذا انفاق ، إذن أنت تشهد ما جئت به ما فعلت من جدية  في سبيل طاعة الله فيكون متديناً بالمراءاة يعني أنت ترائي أنت تنظر إلى أفعالك تنظر إلى ما فعلت فأين الله في أفعالك أين حب الله و أين عشق الله لهذا إذا كانت النية لأجل الخوف من العقاب أو لدخول الجنة أو
أنت ترى اعمالك وافعالك  كل هذه الأوصاف يقول الشيخ إنّ هذه الأوصاف كلها شعب من عبادة النفس  يعني أنت تريد أن ترضي نفسك تريد أن تفعل ما يأمرك به نفسك لا ما يأمر الله به ليس ذلك مثل هذه النيات نيات خالصة ليست  هذه النية خالصة وصافية لله سبحانه، فإذن يجب أن يكون تعظيم الأمر والنهي في الدرجة الأولى يكون  لا من مثل هذه الدواعي بل يكون  الداعي خالصا لله سبحانه هذا هو الدرجة الأولى من درجات الحرمة .
وأمّا في الدرجة الثانية فإنّ الشيخ يقول يجراه الخبر على ظاهره وهو أن يبقى اعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها لا يتحمل البحث عنها تعسفاً ولا يتكلف لها تأويلاً ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلاً ولا يدعي عليها إدراكاً أو توهماً .
الدرجة الأولى الشيخ عندما يقول تعظيم الأمر والنهي يقصد به الشريعة الدرجة الثانية عندما يذكر توحيد العامة بمعنى أنك تحترم توحيد العامة طبعاً الشيخ في اخر منزل من منازل  هذا الكتاب المنزل المائة يقسم التوحيد إلى توحيد عام وتوحيد خاص وتوحيد أخص ، عامة الناس عندما يشهدوا الشهادتين ويكونوا مسلمين توحيدهم توحيد عام ليس توحيدا قلبياّ داخلياً ذو درجات داخلية بحيث أن الإنسان يسير من مرتبة إلى مرتبة أعلى وهكذا إلى أن يصل لمعرفة النفس ومعرفة الله. عامة الناس لا ينظرون  إلى مثل هذه الدرجات الروحية المعنوية فلهم توحيد عام. الشيخ الانصاري يقول انت بما أنك تعيش في المجتمع البشري وهذا المجتمع فيه ما فيه من طبقات عباد الله منهم العوام العوام ومنهم الخواص الخواص إذن كما أنت تحترم اصدقائك ورفقائك في السلوك وفي الطريق  إلى الله عليك أن تحترم عامة المسلمين وعامة المؤمنين بالله وبكتبه وبملائكته وبرسله ، يقول الدرجة الثانية إجراء الخبر على ظاهره ما معنى هذه الجملة؟ يقول أن يبقى  اعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها كلمة الخبر يقصد به خبر القرآن أو خبر النبي محمد أو الائمة الاطهار أحاديثهم يعني قد يكون المسلم من يأخذ بظاهر الشرع بظاهر الأخبار الدينية الموثقة الواردة في القرآن وفي احاديث اهل البيت (عليهم السلام ) ولا يعتني بأسرار الشريعة إنّما هو يتمسك بظواهر الشرع المبين لا بالاسرار العرفانية المعنوية مع أن هؤلاء العوام لهم توحيد بمقدار ما يفهمون لهم شرع بمقدار ما يتشرعون إلاّ أنك كسالك في سبيل الله عليك أن تحترم توحيدهم ومقدساتهم لا يتحمل البحث عنها تعسفاً ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوب ظاهرها تنكيلا ولا يدعي عليها إدراكاً أو توهما ،الناس الذين تمسكوا بظواهر الشريعة ولا يلتفتون إلى أسفارها ومعانيها العرفانية هؤلاء يجب أن يكون في نظر السالك مقدس ومحترم لأنهم  بهذا المقدار لهم من المعرفة والتوحيد  فأنت عليك أن لا تبحث معهم بالتعسف والإجبار والقهر اتركهم لحالهم طالما لا يفهمون ما تقوله أنت طالما لا يعتنون بمثل هذا الاسرار العرفانية فأنت لا تتحمل معهم بحثاً عرفانياً تعسفياً عليك أن تتركهم وتحترم ما يحملون من عقائد ، أيضا عليك أن لا تتكلف تأويلا يعني ما تجي تؤول ها وتذكر لهم التأويلات العرفانية الكذا والكذا ؛ لأن ذولي جماعة ما يفهمون كلامك ، وأيضاً لا يتجاوز ظواهرها تمثيلاً تجي تمثل لهم المكاشفات أو الكرامات  المنامات
أو مثل هذه الأمور الدقيقة العرفانية الأخلاقية ؛ لأنك في وادٍ وهم في وادٍ آخر يا أخي ، ولا يدعي عليها إدراكا أو توهماً ما تجي يعني تجيبهم ها لا بالتعسف  ولا بالتأويل ولا بالتنكيل ولا بالتوهم يعني تجي تبحث وياهم وهم يصيرون  يتوهمون  لك يصير عندهم توهم  بالمسائل العرفانية يصير عندهم توهم ؛ لأنهم كلّم الناس على قدر عقولهم ما تكدر تجبرهم على هذا الطريق إلاّ إذا كان واحد تعلم هو من نفسه ومن أرضيته هو يريد يدخل بالسير والسلوك أمّا طالما أنت تشوفه لا الناس على ظواهرهم اتركهم لحالهم ولا تبحث معهم لا تعسفاً ولا تأويلا ولا تنكيلا ولا توهما هذه الدرجة الثانية من الحرمة يعني حرمة للناس البدائيين .
وأمّا الدرجة الثالثة الدرجة الثالثة تخص السالكين في سبيل الله والذين لهم درجة عالية في التزكية والتخلية والتحلية والتجلية التجليات الإلهية يا أخي تجليات إلهية تدخل في قلب السالك .
إذن الدرجة الثالثة تختص بمن لهم حالات عرفانية عالية فحرمتهم تختلف يا عزيزي بالنسبة للدرجة الأولى والثانية، هؤلاء يجب أن تحترمهم يا عزيزي لكن بأي حرمة يا عزيزي بأي حرمة !
الدرجة الثالثة صيانة الانبساط أن تشوبه جرأة، وصيانة السرور أن يداخله أمن ، وصيانة الشهود أن يعارضه سبب ، زين أنت تريد بالنسبة للذين لهم مراتب عالية من السير والسلوك لهم صفات عالية في المعرفة الإلهية منهم من يحمل في إناء قلبه انبساط وفرح وعشق إلهي ومنهم من يحمل أيضاً سرور عرفاني ومنهم من وصل إلى الشهود القلبي فالذي يحمل انبساط قبل انقباض فالذي يحمل انبساطا فهذا الشخص كيف يعمل بالحرمة والتقديس ؟حرمته أن يصون انبساطه القلبي من أن تشوبه جرأة يعني كيف؟ يعني أنت الآن قمت آخر الليل وتكلمت مع الله وناجيت الله سرا وعلانية وقرأت القرأن أو الأدعية وصار عندك مولاي  انبساط وعشق وفرح  ها عالي زين هل تكدر تكول اني ولي من أولياء الله وأني مصون من كل جهة ما تكدر تكول يا عيني ما تكدر لأن انت معرض للافتتان والامتحان الإلهي كيف تتجرأ على الله سبحانه وتعالى  وتقول أنا ما أخرج من هذا الانبساط المعنوي الروحي العرفاني كيف تقول ؟ فحرمتك أن تصون إنبساطك من أن تشوبه جرأة في الله سبحانه يعني أن تتجرأ على الله وتقول أنا
مصون من كل جهة  وأنا وصلت إلى مقام النفس المطمئنة وكذا وكذا ، إذن أنت لم تحترم الله سبحانه وتعالى في مكره وفي بلائه لماذا الإمام علي كان يبكي في الليل مع أنه إمام معصوم لماذا كان يبكي ؟ إذن عليك أن تحفظ الحدود حدودك أنت كعبد يجب أن تحفظها يجب أن لا تتجرأ وإن وصلت إلى ما وصلت من مقامات عالية  من إنبساط وسرور عرفاني وما شاكل من أمور عالية في العرفان ، وصيانة السرور أن يداخله أمن يعني أن تصون سرورك الحرمة في هذا المعنى وفي هذه الدرجة الحرمة أن تصون سرورك القلبي مع الله بحيث أن لا يداخله أمن بحيث لا تكن مأموناً من مداخلات ربانية في تقربك لله سبحانه يعني إلى آخر لحظة إلى آخر نفس من أنفاسك يجب أن تكون على حذر، ويحذركم الله نفسه كما في القرأن (ويحذركم الله نفسه ) إذن يعني أنت في جميع الأحوال يجب أن تكون على حذر من أن يصيبك بلاء أو مكر من الله سبحانه بحيث تخرج من طريق السلوك كما كان عندنا من أشخاص أنت أقرا التاريخ واقرا القصص كم كانوا قد وصلوا إلى مراتب ثم نزلوا ،إذن فالحرمة أن تحترم سرورك العرفاني وتصونه من أن يداخله أمن يعني أن تكون مأمون من مكر الله ، وأما صيانة الشهود يعني أنت جاهدت الجهاد الأكبر ودخلت في مراتب السير والسلوك من البدء إلى النهاية دخلت في هذه المراحل والمراتب ووصلت إلى الشهود القلبي العرفاني والله إلا أنه أنت يجب أن تحترم مثل هذا المرتبة أن تحترم شهودك مع الله بأن لا يعارضه سبب من الأسباب يعني كيف قبل دخولك لهذا الطريق كنت تعتني بالأسباب من غير مسبب الاسباب كنت ترى الأسباب من غير مسببها هذا في بداية الطريق وفي نهاية الطريق ممكن أيضا قد يعترض عليك بلاء الله ومكر الله بحيث يعارضك سبب من أسباب غير الله سبحانه فيشغلك عن الله بهذه الأسباب ،إذن أنت في مرتبة الشهود يجب أن تصون هذه المرتبة العالية من أن يعارضه سبب من الأسباب بحيث يشغلك عن الله سبحانه وتعالى ،هذا ما أردنا أن نذكره في شرح وبيان الباب الثاني والعشرين من ابواب منازل السائرين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

تمهید لتدریس منازل السائرین آیة الله محمدصالح الکمیلی الخراسانی

جدول المحتويات