26- منزل الاستقامة

26- منزل الاستقامة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الله تعالى (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ)
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ …)
وقال الله تعالى لحبيبه النبي الكريم فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ..
اذا موضوع الاستقامة مذكور في القرآن الكريم وإنّ الشيخ الانصاري في المنزل السادس والعشرين يذكر باب الاستقامة ويستشهد بقوله تعالى (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) معنى ذلك انّ الاستقامة من منازل السير والسلوك الى الله ويجب على السالك اذا لبى دعوة الله في هذا المسير  عليه ان يتابع السير والسلوك في جميع المراحل والمنازل وان يكون مستقيما على صراط الله . الشيخ الانصاري يقول قوله عزّ وجلّ اشاره الى عين التفريد ،يعني قوله تعالى فاستقيموا ايها العباد اليه اي الى الله ، الضمير هنا من الضمائر المفرد مرجع الضمير هو الله سبحانه تعالى وهو عين التفريد ، الوحدانية والتفريد من خصائص ذات الله عزّ وجلّ ، ثم يقول الاستقامه روح تحيا بها الاحوال ، الاستقامة عند العرفاء عبارة عن روحانية وروحية في نفس السالك وبالاستقامة تحيا الاحوال ، يعني حالات السالك مع الله بسبب هذه الاستقامة حيث انه يقاوم ما يخالف السير الى الله سبحانه وتعالى وبذلك احواله العرفانية والأخلاقية والمعنوية تحيا وتنمو ويتيسر له ان يتقرب لله سبحانه كما تربو للعامة عليها الاعمال ، يعني هناك نوعان من عباد الله عامة وخاصة ، العامة هم عموم الناس ، الخاصة هم السالكون . اذا اذا اراد عموم الناس ان يسلكوا هذا الطريق وان يتوجهوا الى الله في إيمانهم ودينهم عليهم ان يستقيموا فمن يقول اشهد ان لا اله الا الله اشهد ان محمدا رسول الله وهو من المسلمين و ايضا من شيعة امير المؤمنين حتى ولو لم يكن سالكا فهو من عموم المجتمع و من عموم الناس ، هو باعماله الشرعية والاسلامية اذا استقام هذه الاعمال الصالحة التي تصدر من عموم الناس تتربى ، تتربى تربو يعني تنمو يعني الاعمال تكثر والاعمال تصير خالصة بسبب هذه الاستقامة ، اذا الخاصة يستفيدون من فعل الاستقامة والعامة ايضا  يستفيدون فهو امر مشترك ، الا ان السالكين تتحسن احوالهم القلبية احوالهم الروحية اما عامة الناس فهم يشتغلون بالاعمال لا بالاحوال لانهم لم يسلكوا طريق الاحوال ،
ثم يقول وهي برزخ بين اوهاد التفرّق وروابي الجمع وهي اي ان الاستقامة برزخ وفاصل بين التفرق والجمع ، حيث انّ السالك لم يصل الى تلك المراحل العالية وهو يستقيم في هذا الطريق اذا فهو يتابع منازل السير و  والسلوك اذا فيه من احوال التفرق وفيه ايضا من احوال الجمع  ، يعني  حيث انه بعض لم يكمل السالك  اذا ولم يصل الى جمع الجمع و التوحيد الكامل ، فهو بين التفرق والجمع وهذه الاستقامة تنفعه في طريق السير الى الكمال ، ثم ويقول وهي على ثلاث درجات
الدرجة الاولى : الاستقامة على الاجتهاد  في الاقتصاد لا عاديا رسم العلم و لامتجوزا حدّ الاخلاص ولا مخالفا نهج السنّة .
السالك في مشيه على طريق الاستقامة ينقسم الى الدرجة الابتدائية والدرجة المتوسطة والدرجة العالية.
فهناك استقامة اقتصادية ، ليس المعنى الاقتصاد، الاقتصاد المعروف الذي يختص بالمعيشة والاموال ،انما  المراد بالمقتصد هو المعتدل الذي لا يصيره في استقامته مفرّطا ولا تفريطا ، يعني لا زيادة ولا نقص ، انما هو مقتصد يعني معتدل في طريق  الاستقامة ، هذا ما يقصد به الشيخ الانصاري بالنسبة للمبتدئين في الاستقامة وهناك استقامة ثانية وهي اعلى من الاستقامة العملية : استقامة عملية ، استقامة حالية ،  واستقامة اعلى من هذين وهو ان لا يرى السالك في نفسه استقامةً بل يرى في ذلك فضلا وكرمًا منه سبحانه.
اما الاستقامة الاقتصادية الذي ليس فيه لا افراطٌ ولا تفريط لا زيادة ولا نقصان ، استقامة معتدلة يشمل هذه العلائم  أو الامور الثلاثة منها ان لا يكون متجاوزا رسم العلوم : المراد بالعلم او العلوم  في هذه الجملة، العلم الرباني العلم اللدنّي ، يعني ان السالك المبتدئ في استقامته وسلوكه لا يتجاوز ما يُفيض عليه من علم الله سبحانه  من العلوم الغيبة الفيضيّة. واما العلامة الثانية لاستقامته فيما يفعل من اعمال هو ان لا يكون متجوّزا حدّ الاخلاص ، يعني ان السالك في اعماله هو مستقيم يعني انه يراعي ويلتزم حدّ الاخلاص لله سبحانه ،  يعني لا يفعل ما يقربه الى الله رياء وسمعة وتظاهرا، انما كل اعماله ونواياه الداخيلة والقلبية لله سبحانه ، واما العلامه الثالثة  ان لا يكون السالك المبتدي في استقامته في افعاله واعماله مع الله ان لا يكون مخالفا نهج السنة النبوية ، بمعني انه ينتهج السنن الالهيه والنبوية وسنن اهل البيت (ع) لا يتخطى ما يفرض عليه من اتباع الثقلين الكتاب والسنة .
و اما الدرجة الثانية استقامة الاحوال، طبعا هذا اعلى من استقامة الاعمال ، المبتدئ يصر ويثابر في اعماله واخلاصه لله سبحانه حتى تحصل له احوال سلوكية احوال معنوية بسبب ما كان مستقيما في افعاله وسلوكه ، تحصل له احوال سلوكية احوال  قلبية احوال روحية ، هذه الاستقامة طبعا لها علائم. العلامة الاولى شهود الحقيقة لا كسبا ، الحقيقة المنظور بها في هذه الجملة الحقيقة التوحيدية الالهية ،يعني السالك المتوسط في الاستقامة عندما تحصل له احوال ومكاشفات ومعنويات فهو يشهد الحقيقة المخزونة والمكتومة في نفسه ، هذه الحقيقة هي افاضة ،  تفيض من الله سبحانه وتعالى وليس هذا الشهود امرا كسبيا يعني يكتسب ، بل افاضة من الله في نفسه .
ثم يقول العلامة الثانية رفض الدعوة لا علما ، يعني ان السالك في استقامته الحالية يحصل له هذه العلامة يعني يرفض الادّعاء ، يعني يرى ما يفيض عليه من معنويات هي من الله سبحانه ، كل  ذلك يراها من الله  ، فاذا رآها من الله  عند ذلك لا  تحصل له دعوى نفسانية انو يجي يقول اني كذا وكذا .. وهذا الرفض للعجب والغرور وادّعاء ان ما وصل اليه من احوال هو  بسبب نفسه ، هذا الرفض ليس من باب العلم ، يعني العلم هنا لا ينفع ، شگد  ما احنا نحفظ ايات قرآنية واحاديث في تربية النفس ، ما دام احنا ما نعمل ولا ندقق في حركاتنا واعمالنا واحوالنا هذا العلم بدون عمل لا ينفع . اذا فهو عندما يرفض الانانية  والنفسانية الادعاءات انما هي ببركة الاحوال النورانية ، ببركة ما حصل من بصيرة ومن هدى الهي ،اذا هو عندما يترك ويرفض الادعاءات النفسانية انما هو ببركة ما حصل في نفسه من الانوار واليقين بالله سبحانه فاذا ليس من باب العلم انما من باب النور و كسب البصيرة الالهية .
واما العلامة الثالثة البقاء مع نور اليقظة لا تحفّظا : يعني السالك في استقامته النورية والحالية يحصل له نور اليقظة ، هذه اليقظة انما حصلت للسالك بسبب استقامته وتحمله لمشاق الطريق ، اذا فهو يسير سيرا في هذا الطريق بنور يقظته واستقامته وليس من باب التحفّظ ، الاول قال من باب الكسب ، الثاني قال ليس من باب العلم ، هذا الثالث يقول ليس من باب التحفّظ ، يعني هو لم يحافظ على نور يقظته وانما هذه الاستقامة الحالية واليقظة المعنوية انما هي مجرد افاضة من الغيب ومن الله سبحانه لا من باب انه تحفّظ على هذا النور او هذه اليقظة او هذه الاستقامة هو حصل من نفسه هو لا يدخّل نفسه فيما يحصل له من انوار و من حالات  ومن معنويات وانما يراها.  كلها يراها من جانب الله سبحانه ، هذا ما اردنا توضيحه بالنسبة للدرجة الثانية وهي استقامة الاحوال
الى هنا وضحنا الاستقامة في الاعمال ، ثمّ الاستقامة في الاحوال والان نبدأ بذكر الدرجة الثالثة .
يقول الشيخ ، الدرجة الثالثة : استقامة برؤية ترك الاستقامة وبالغيبة عن تطلب الاستقامة بشهود اقامة الحق وتقويمه عزّ اسمه .
السالك في المرتبة الثالثة من مراحل الاستقامة ، يقول الشيخ هو في الدرجة الثالثة والعالية من انواع الاستقامة له علائم هذه العلامات الثلاثة  يذكرها واحدا بعد واحد : الاول ترك رؤية الاستقامة يعني السالك اذا استقام في افعاله واعماله واستقام في احواله الروحية يصل الى مرتبة بحيث  لا يرى الاستقامة من نفسه ولا ينظر نظرا خاصا لاستقامته  الشخصية مع الله ، انما يرى الله سبحانه في افعاله واعماله واحواله ، فهو مع انه يجدّ ويجتهد في الاستقامة الا انه لا يرى ذلك من نفسه ويترك الرؤية ويرى فضل الله وكرمه فيما فعله او يفعله ، ثم يقول كيف يترك الرؤية السالك : يقول  بالغيبة عن تطلّب الاستقامة ، يعني السالك هو في استقامته واستمراره في طريق الوصال لله  هو قد اسقط في نفسه الطلب ، يعني كل نظره بنظر عين الله سبحانه  ،كما قال مولانا الحسين عندما اصيب بمصيبة ولده الرضيع علي الاصغر قال ( هوّن عليّ انه بعين الله ) فالسالك عينه عين الله لا يرى لنفسه اي مسألة شخصية ونفسانية، انما يرى الله سبحانه ، حتى انه لا يطلب الاستقامة يعني هو قد اسقط الطلب في نفسه ، كما في الدعاء الشريف يقول (كفى علمك بحالي من سؤالي ) فهو لا يطلب الاستقامة لانه يرى افاضة بعد افاضة و مشغول لا بنفسه مشغول  بالله سبحانه وتعالى مشغول بافاضته بانواره ، فعندما يغيب عن هذا الطلب لانه قد شهد اقامة الحق في نفسه ، يعني يرى ان الحاكم في اموره هو الحق يعني  الله سبحانه وتعالى.
والتقويمة عز اسمه والتقويم يعني تقويم الحق تقويم الله يعني يرى القوة والحول وما وصل اليه ، كل ذلك يراه منه سبحانه ،التقويم ، اقامة الحق في نفسه، الاستقامة ، كل ما يراه من فضل و كرم منه سبحانه لا انه مثلا  يدّعي لنفسه شيئا ، اذا الدرجة العالية والثالثة ان يخرج السالك من رؤية استقامته الشخصية ،حتى انه يخرج من طلب الاستقامة لانه مشغول بالله سبحانه ، مشغول بالحقّ تعالى حيث انه هذا الحق قد اقيم في نفسه وحيث انه سبحانه صار  قوة وتقويما له في حركاته وسكناته مع الله  سبحانه، فالدرجة الثالثة استقامة اقوى  و اعلى من استقامة الاحوال والاعمال.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

تمهید لتدریس منازل السائرین آیة الله محمدصالح الکمیلی الخراسانی

جدول المحتويات