30- منزل التسليم
بسم الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
اللهم وفقنا ووفق المشتغلين بالعلم والعمل الصالح
الخلاصة هي ان الفاني في الله والمتوكل على الله والواثق بالله هذا في نفسه وفي اعتماده على الله وفي تسليمه مع الله سبحانه وتعالى لا يحتاج الى قصده مؤثرا في الامور او يجعل الحماية من الناس او الاسباب ووسائل المعيشة ما يحتاج الى ان يكلف نفسه لأنه يرى ان المؤثر في العالم هو الله تعالى لا مؤثر في الوجود الا الله وهكذا مراح يعرج على الاسباب والوسائل الدنيوية انما كل قلبة وكل توجهه على الله فلو ان الله لو لم يأمره بالكسب وطلب الحلال لأنه مراح يذهب الى السوق ويشتغل بالأسباب ولكن من باب تنظيم الامور والمجتمع وتنظيم عالم الخلقة وعالم الظاهر نحتاج الى هذه الاسباب الظاهرية وكل ذلك بتوجيه من الله تعالى والا كان بالإمكان ان نجلس في البيت والله يرزقنا والا رب العالمين يستطيع ان يرزقنا لكن الله لا يريد هكذا والكاسب حبيب الله يأمر بان الانسان يذهب يتكسب ويشتغل بعالم الظاهر لكن يكون كل قلبه مع الله ويكون كل اعتماده على الله ولا يرى تأثير للأسباب دون المسبب لأنه هو الخالق لهذه الاسباب هذا بالنسبة لباب الثقة
عندنا الليلة نبحث حول التسليم قلنا ان هذه الاربعة متقاربة يعني التوكل والتفويض والثقة والتسليم هذه الاربعة من حيث المفهوم متقاربة وهذه اخر .
ان مئة منزل للشيخ الانصاري مقسمة على عشرة فكل موضوع رئيسي له عشر منازل فمثلا هذا التسليم هو اخر العشرة من باب المعاملات مع الله سبحانه وتعالى والاسبوع القادم راح يأتي عشرة اخرى من هذه العشرات المنازل فالعشرة التي راح تأتي في الاسبوع القادم هي عشرة تختص بالأخلاق (قسم الاخلاق )
الاخلاق في عشرة ابواب باب الصبر وباب الرضا وباب الحياء وهكذا …
وان شاء الله راح كل اسبوع نبين موضوع منها فالرضا هو اهم من التوكل والثقة والتفويض والتسليم يعني اهم هذه الاربعة كما ان الآية القرآنية في سورة الفجر تنص على هذا المعنى ( يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية ) او الاية التي تقول ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) اذ كانت هذه الاربعة معتلة بعلل
اما الرضا فهو مقام اعلى من هذه الاربعة وسوف ياتي البحث حول الرضا في باب الرضا الذي هو احد عشرة الاخلاق .
وعندنا الليلة باب التسليم
قال الله عز وجل ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )
يعني الشيخ الانصاري اخذ اسم هذا الباب من القرآن يعني من قوله تعالى ويسلموا تسليما فتسليم الذي هو عنوان هذا الباب مأخوذ من القرآن الكريم فشأن نزول هذه الآية .
فالمفسرون يقولون ان الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وآله كل ما يأتي نبي يأتي حكم من السماء من احكام الله ويقول ان هذا حكم الهي ليس انا الذي اتيت به هذا كله حكم من احكام الله فيعترضون عليه ان هذا الحكم ثقيل اجلب لنا احكام ثانية
فنزلت الآية (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك …) يعني يا رسولنا يا حبيبنا ان هؤلاء يقولون غير الاحكام قل لهم ان هذه الاحكام ليس من عندي وهم يجب ان يقوون ايمانهم ويعتبرونك حاكما واولى بهم من انفسهم واموالهم يعتبرونك حاكما كما ورد في حجة الوداع في خطبة الغدير حيث قال (الست انا اولى منكم من انفسكم قالوا بلا …) اذن النبي هو الحاكم للامة الاسلامية ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا او اشكالا مما قضيت ويسلموا تسليما ولا يعترضون عليك هذا هو المطلوب
ثم يقول الشيخ وفي التسليم والثقة والتفويض وما في التوكل من الاعتلال
يعني كل واحد من هذه الامور الاربعة فيها علة من العلل لايخلوا اي واحد من الاربعة من النقص ومن الاعتلال والعلة
فالعليل مثلا لمن تقال تعني هو المريض
فهذه الاربعة فيها مرض والرضا الذي سوف ياتي يعتبر اعلى من هذه الاربعة كلها لماذا ؟
السبب هو بالنسبة للتوكل هذا قلنا سابقا انه التوكل من الذي يوكل العبد ام رب العالمين
يعني ماذا هل انت تعطي وكالة الى الله وتجعل ربك وكيلا عنك
انت ماذا عندك وتوكل الله وتقول انه وكيل من طرفي لازم الموكل عنده قابلية عنده ملكية
فاذا التوكل فيه اعتلال وهو واضح وعندما ناتي الى الثقة انت تريد توثق بربك فانت ماذا تمثل وما هو قدرك حتى توثق نفسك الى الله على هذا الامر سوف يكون اثنينية واحد انت وواحد هو الله وتريد ان توثق امورك الى الله اصلا انت عدم بعدم بعدم انت خلقت من العدم والان انت معدوم الان انت ما بيدك كل شي وتاتي تريد ان توثق امورك الى الله
فهذا مع الوثوق ما يحصل الا بمنّية اي تاتي تمن على الله وتقول انا وثقت بيك وانا سلمت اموري اليك وانا فوضت وانا متوكل وهكذا (يمنّون عليك ان اسلموا بل الله يمن عليكم بان هداكم ) وهذه اية اخرى من ايات الله تقول للنبي يا حبيب يا محمد انهم يمنون عليك بانهم اسلموا قل لهم من الذي هداكم ومن الذي اسلمكم بل الله يمن
اذن التسليم والثقة والتفويض والتوكل كلهن الاربعة فيها ريحة المنية وهذه ريحة المنية لاتاتي باب الرضا
لهذا يقول يقول الشيخ وفي التسليم والثقة والتفويض وما في التوكل من الاعتلال
الانانية والمنية نفسانية على الله يقول وهو من اعلى درجات سبيل العامة هذه عامة الناس ليس الخاصة ليس أولياء الله ليس العرفاء لانهم لا يتكلمون بهذا الكلام نعم عامة الناس عندهم هذا الكلام عندهم من الثقة والتوكل والتسليم ولكن التسليم اعلى درجات سبيل العامة لله سبحانه من حيث المفهوم ، المعنى واذا تريد الترتيب هذا
يكون المعتل أولا التوكل ثم التفويض ثم الثقة ثم التسليم يعني يكون واحد اقوى من الثاني حتى تدخل الى باب الرضا وهو الكمال والاعتلال اذا اردت ان اتكلم عنه في باب الصرف في علوم اللغة العربية فحروف العلة هي الالف والواو والياء وهذه حروف معتلة ومقابل المعتل الفعل الصحيح واقسام المعتلات موجودة في مكانها
والاحرف المعتلة من ضمن الحروف العربية
وهذه الامور الأربعة فيها شيئا من الانانية يعني فيها شيئا من الاعتلال
قال وهو على ثلاث درجات يعني التسليم
أولا : تسليم ابتدائي
ثانيا : تسليم خاص
تسليم : خاص الخاص
اما التسليم الاول (الابتدائي ) تسليم ما يزاحم العقول مما يشق على الاوهام من الغيب والاذعان لما يغالب القياس من سير الدول والقسم والاجابة لما يفزع المريد من ركوب الأحوال .
عندنا ثلاث درجات وبالدرجة الاولى يقسم على ثلاث مقومات والدرجة الثانية أيضا فيها ثلاث مقومات
اما الدرجة الثالثة يوجد مقوم واحد فقط ونبين ان شاء الله
اذن في تعريف المنازل في كتاب منازل السائرين ربما يكون في المنزل ليس اكثر من مقوم واحد
ولكن الأكثر لكل درجة يحتوي على ثلاث مقومات او ثلاث علامات
ففي الدرجة الاولى من التسليم يجب ان تراعي هذه الامور الثلاثة
الامر الاول : ان هناك أمور تاتي من الغيب يعني هناك مغيبات الهية وانت بالنسبة لامر المعاد انت لم تراه بل هو امر غيبي كما في القرآن ( الذين يؤمنون بالغيب ) بل كثير من الامور الغيبية
فهنا بالامور الغيبية هناك صعوبة في الوهم وأيضا صعوبة على العقل والوهم قوة كبيرة اكثر من العقل أي قوة الخيال والوهم ومع ذلك ما ياتي من الغيب المعنوي للإنسان اذا يريد يؤمن بيه يأتي بمزاحمة من العقل ومزاحمة من الوهم يعني يرفض
فكيف يستطيع ان يؤمن بمنكر ونكير وما يفعلان بالميت والحفرة التي يوضع فيها الميت فتكون حفرة من حفر النيران او روضة من رياض الجنة هذا امر ثقيل على العقل فلا يقبله ولا الوهم يقبله
فانت اذا ترفض هذه الامور وتسلم دينيا وايمانيا بالله وتؤمن بالغيب لازم يصير عندك تسليم معنوي لما قال الله في كتابه واخبر في كتابه من اخبار عن المعاد وعن الامور التي تحدث في المعاد والأمور الغيبية
فهذه كلها يحتاج لها تسليم قلبي وان لم يفهمها عقلك ولا يستطيع ان يحللها ولا حتى الوهم يستطيع .
فاذا لم يكن عندك تسليم بها لا تستطيع ان تؤمن بها
تسليم ما يزاحم ممايشق على الاوهام هم العقول ترفضه وهم الاوهام ترفضه لانه فيها مشقة
اذن كيف يكون تسليم ما يزاحم العقول وما يزاحم الاوهام والتسليم من ماذا أكيدا من الامور الغيبية
هذا و المقوم الاول للتسليم الابتدائي .
ثم الإذعان مايغالب القياس من سير الدول والقسم
الدول يعني الحكومات القسم يعني القسم الإلهية فنحن عندما ناتي للحكومات للدول العالمية كم تكون فيها حروب وكم تكون فيها انقلابات وعندما ناتي للقسم الإلهية أيضا فهي ليست على ميزان واحد
فعندما نريد ان نمثل بالرزق نرى ان الله تارة يرزق الانسان رزقا كبيرا وتارة نرى كم يضيق على شخص اخر
وهناك آية في سورة الفجر (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) فنرى ان الله اذا ابتلا عبدا بنعمة يقول ان ربي اكرمني وهو يحبني واذا ما ابتلاه وضيق عليه فيقول ربي اهانني ولا يحبني ) مع ان تقسيم الرزق بيد الله ويجب ان يكون تسليم به
فاذا التقسيمات الرزقية او أي تقسيمات هي من جانب الله تعالى لهن سر ولهن مبدا ولهن منتهى فالدول والحكومات والسياسات والقسم الإلهية بالنسبة للناس وبالنسبة للأمم هذه كلها ضمن مخطط الهي
فما المراد من كلمة قياس : هنا القياس هي قياسات عقلية فتقول ان الدولة الكذائية هكذا حالها والدولة الكذائية حالها كذا بالقياس العقلي والحسابات العقلية وأيضا بالمجتمعات كذا
فعقلك يقول لماذا هذا التفاوت هذا كله ظلم أعطاه ولم يعطيني فيجب ان يكون هناك تسليم عندك تسليم لما قسم الله
وكذلك ماتجد في الدول والحكومات في هذه الدنيا فهذه لهن سر ولهن تدبير فلازم يكون هناك اذعان وتسليم بحيث هذا التسليم يغلب على القياس العقلي في سير الدول وسير القسم
فالذي يغلب على العقل والقياسات العقلية هو اذعان قلبي وايمان قلبي لله تعالى وهو التسليم
هذا الثالث لما يفزع المريد من ركوب الأحوال
والمريد السالك في سير الله هذا يصير عنده أحوال سلوكية ومن حال الى حال ومن قبض الى بسط وهكذا فهي أحوال مختلفة تعرض على السالكين وهذه الأحوال ممكن ان تكون هذه الأحوال مفزعة لماذا هذا التغير في الأحوال
فيكون الحال هو يكون لديك إجابة وتسليم معنوي تسلم كل احوالك لله ولا تجزع ولا تخاف وهذا هو طريق الله وتكون فيه هذه التحولات والتغيرات الاحوالية
فاذن الدرجة الاولى يحتاج الى يصير عندك ايمان غيبي ويصير عندك اذعان بان الله هو المدبر للدول وللقسم ويصير عندك إجابة في ما يعرض على السالك من أحوال متغيرة هذا بالنسبة للدرجة الاولى .
الدرجة الثانية : تسليم الخاص يكون ارقى من الدرجة الاولى لماذا لان فيها ثلاث أمور
تسليم العلم الى الحال والقصد الى الكشف والرسم الى الحقيقة .
يعني انت لازم يصير عندك عرفان عملي اذا قبل مايصير عندك عرفان عملي
وتعتمد على العرفان النظري والفلسفة فهذه لا تفيدك فيجب عليك ان تحول العلم الذي تحمله في راسك الى حال عرفاني عملي واحوال سلوكية وحال سير الى الله سبحانه اذن يجب عليك في الدرجة الثانية الى الحال العرفانية .
والقصد الى الكشف يعني انت تارة قصد ونية قلبية للتقرب الى الله سبحانه وتعالى ولكن قد تتحول هذه القصود والنيات السليمة الإلهية للسالك تتحول الى مكاشفات
لكن المقصود بهذا الكشف هو الكشف اليقيني يعني المكاشفات على نوعين مكاشفات مثالية من عالم المثال ومكاشفات يقينية معرفية من معرفة الله ومعرفة النفس
والمقصود من كلمة الكشف عند المصنف هو الكشف الحقيقي المبين النوراني الحقيقي اليقيني لا الكشف المثالي أيضا يجب ان تسلم الرسومات الى الحقائق يعني السالك يمشي على رسومات في بادئ الامر مثل ما يعبدون الناس وقد تكون العبادة كرسم وعادة بين الناس ولكن هل المتعلق بالله والمجاهد في سبيل الله هل هذا يقتنع بالعادات والرسوم ام انه يبدلهن باليقينيات والحقائق فالصلاة تكون حقيقية صلة مع الله سبحانه
اذن ان تسلم علمك الى الحال العرفاني وتسلم قصدك الى الكشف الرباني وتسلم الرسومات والعادات الى الحقايق الإلهية فهذه تبينات لتسليم الخواص .
واما تسليم خاص الخاص
هذا الكتاب الذي عندي ثلاث مجلدات بالفارسي وهو شرح لمنازل السائرين وانا كنت اطالع فيه واغيره لكم للعربي وان شاء الله يأتي يوم يترجم للعربية وتوصلكم
الدرجة الثالثة : تسليم مادون الحق الى الحق مع السلامة من رؤية التسليم بمعاينة تسليم الحق اياك اليه .
ربما ان الانسان في اول نظرة ان الدرجة الثالثة فيها أمور ثلاثة كالدرجات الاولى والثانية
لماذا لان بالظاهر هناك ثلاث جمل تسليم مادون الحق هذا امر اول
مع السلامة من رؤية التسليم هذا الامر الثاني
بمعاينة تسليم الحقايق اليه هذا امر ثالث
لكن عند المحقق الثلاثة واحدة صحيح ان العبارة تحتوي ثلاث عبارات لكن كل هذه العبارات ترجع لواحدة .
لانه يقول تسليم خاص الخاص ان يأتي السالك يسلم كل ما دون الحق كل غير الحق الى الحق يعني يكون عنده عين سليمة عين توحيدية عين لا يرى غير الله فاذن يسلم كل أمور مادون الحق الى الحق تعالى مع السلام من رؤية التسليم يقول هذا التسليم لما يريد يسلمه الى الله لازم يكون هو لا يرى تسليم الشخصي لانه اذا رأى تسليمه الشخصي معناها صار بيهة انانية يعني انا أرى نفسي فاذا يجب ان يسعى منظاره في التسليم منظار توحيدي الهي فاذا يجب ان يسلم تسليما من رؤية التسليم أي لا يرى لنفسه هو المسلم نفسه لربه بل يرى الله مؤثرا في جميع اموره حتى بالنسبة للتسليم فيقول الله هو الذي وفقني وجعلني بهذا الطريق
فكيف للإنسان ان لايرى تسليمه الشخصي ويرى ان الذي وفقه للتسلم هو الله سبحانه يقول بهذه الطريقة ( بمعاينة تسليم الحق اياك اليه ) يعني يشوف ان الله هو اللي وفقه لهذا التسليم
اذا اذا استطاع ان يعاين بمعنى يرى العينية التوحيدية في نفسه بان المؤثر هو الله سبحانه وتعالى وان الله هو الذي وفقه للتسليم وهذا الامر يراه بعين اليقين أي بعلم اليقين ان المؤثر هو الحق سبحانه وتعالى وهو الذي وفقك للتسليم (اياك يعني السالك واليه يعني الله سبحانه وتعالى)
هذا ما اردنا من التوضيح والتفسير لمنزل التسليم
وسياتينا في المستقبل اذا بقينا احياء سياتينا قسم الاخلاق وهو قسم جدا راقي وفيه معاني عالية
انتظروا حتى نبين لكم في المستقبل القريب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته