36- منزل الإيثار
المنزل السادس والثلاثون _ (باب الإيثار)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم وفقنا ووفق المشتغلين بالعلم والعمل الصالح
قال الله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ الحشر(9)
يقول الشيخ عبدالله الانصاري: أن الإيثار تخصيص واختيار والاثرة تحصل طوعا وتصح كرها
الشيخ الانصاري في موضوع الإيثار
يستشهد بآية قرآنية (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
يعني يقدمون غيرهم على أنفسهم ممن يحتاجون يقدمونهم على أنفسهم ولو كانوا بهم خصاصة ولو كان هذا المال الذي يبذلونه هذا المال من خصائصهم يعني هم يحتاجون مثلا إلى طعام لكنهم يمسكون عن الطعام المختص بهم ويبذلونه في سبيل الله.
ثم يقول في تعريف الإيثار
الإيثار: هو تخصيص واختيار
أن تخصص مالك إلى غيرك وايثار غيرك على نفسك
الاثرة: تحصل طوعا وتصح كرها
فعل الإيثار المنفق في سبيل الله قد يكون بصورة طوعية وقد يكون بصورة اكراهية
_اما الطوعية يعني انت تقدم على الإيثار وانت تقبل ذلك بنفسك من غير اكراه يعني انت بمحبتك لهذا العمل وطوع نفسك لهذا العمل تقدم على عمل الإيثار.
_وقد لا يكون في هذه الدرجة يعني النفس في أصلها قد لا تقبل ولكن انت تقدم على الإيثار ولو كان بنفسك أن تخصص لنفسك هذا الطعام مخصص لنفسك (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8)إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا )(9) الانسان.
أهل البيت قدموا طعام إلى الفقراء وهم في أحسن طوعا وقبول وقد لا يكون المؤثر الذي يؤثر غيره على نفسه لا يكون في هذه الدرجة من القبول والرضا في نفسه ولكنه أيضا مع أنه يحب هذا الطعام يبذله لغيره من فقراء ومساكين .
ثم يقول الشيخ: الإيثار ثلاث درجات
الإيثار ينقسم إلى درجة أولى و ثانية و ثالثة
الدرجة الأولى : ايثار الخلق على نفسك.
الدرجة الثانية: ايثار رضا الله على رضا نفسك.
الدرجة الثالثة: ايثار الله سبحانه على نفسك .
الدرجة الأولى: أن تؤثر الخلق على نفسك.
ولكن طبعاً هذه النوعية من الإيثار لها شروط
الشرط الأول: في ما لا يحرم عليك دينا.
الشرط الثاني: ولا يقطع عليك طريقا.
الشرط الثالث: ولا يفسد عليك وقتا
اما بالنسبة
للشرط الأول: أنه عندما تقدم خلق الله على نفسك يجب الا يكون من مالاً محرم بل يكون من مال حلال وأيضا تؤثره على نفسك يجب أن يكون من جماعة المؤمنين لا من جماعة الكفار ولا من المغضوب عليهم ولا من الفجار أو المنافقين.
اذن بذل المال يجب أن يكون على من يستحق هذا المال ويكون مرضياً عند الله سبحانه.
الشرط الثاني:
لا يقطع عليك طريقا يعني ممكن يأتي ناس ويطالبونك بالايثار وهم يقطعون طريق السلوك إلى الله وذلك بواسطة اخلاقهم واعمالهم ثم أيضا يجب أن لا يفسد عليك وقتاً أي بمعنى هذا الذي تريد أن تقدمه على نفسك يجب أن لا يزاحمك في وقتك مع الله سبحانه وتعالى
_قالوا أن هذا ينطبق على أن يكون الشخص يكون الشخص المنفق المؤثر أن يكون معروفاً في البلد عند الناس أن هذا الشخص معروف وكل الناس يأتون ويطلبون منه ويجب أن يلاحظ أنه بحيث يفسدون وقته مع الله سبحانه.
ثم يقول :يستطاع هذا (يعني الإيثار) بثلاث أشياء
1.بتعظيم الحقوق 2.ومقت الشح 3.والرغبة في مكارم الأخلاق.
يعني لربما تسأل انت وتقول أنا أريد أن اؤثر مالي في سبيل الله واقدم الفقراء والمساكين على نفسي لكن كيف يحصل ويتحقق هذا الإيثار.
الشيخ يقول: بطرق ثلاثة:
أولا. تعظيم حق الله وحق الناس _ يعني عندما انت تعظم حقوق المؤمنين بإمكانك أن توثر مالك لهم تعظيم الحق يحصل الإيثار اذا عرفت حق المؤمن على المؤمن عند ذلك أنت تقدم على البذل والايثار.
واما الحل الثاني لتحصيل الإيثار هو (مقت الشح)(ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون)(9)الحشر
يعني النفس بطبيعة لا يريد أن يبذل لغيره ويريد أن يشح ذلك لنفسه يعني أن لا يكون منفقا ولكن المؤمن الذكي السالك في سبيل الله يمقت ويبغض الاختصاص لنفسه وشح المال لنفسه بل يبذله لله سبحانه بكل محبة وبكل طاعة.
ثم يقول الطريق الثالث لتحصيل الإيثار هو:
الرغبة في مكارم الأخلاق: يعني اذا كنت كريما في نفسك هذه السخاوة والكرم يجعلك أن تؤثر ما تختص به لنفسك إلى غيرك.
هذا ما ذكره بالنسبة للدرجة الأولى
وهو تقديم الخلق المخلوق أي انسان مؤمن يفتقر للتصرف في هذا المال المختص لنفس الإنسان
الدرجة الثانية: ايثار رضا الله ورضا الخلق
تارة انت تريد أن ترضي مؤمن من المؤمنين وتارة لا يأتي في نظرك المخلوق إنما يأتي في نظرك رضا الله سبحانه وتعالى.
وان كان رضا المؤمن هو من رضا الله سبحانه ولكن انت تنسى نفسك وتنسى الآخرين وتذكر الله سبحانه في نفسك اذن انت تؤثر رضا الله سبحانه وتعالى على رضا غيره من المخلوقين وأن عظمت فيه المحن وثقلت بهِ المؤن وضعفت عنه الطول والبدن.
يعني تقديم رضا الله على رضا نفسك ورضا غيرك من المخلوقين وأن يكون جميع حواسك عند الله سبحانه هذا أمراً عظيم وكبير على النفس عظمت فيه (يعني في تقديم رضا الله)المحن (يعني المحن كبيرة) عندما تريد تفكر في رضا الله فقط لا في رضا الناس لا في رضا الفقراء إنما تجعل رضا الله في قلبك هذه تحتاج إلى مشقة وإلى مجاهدة لأنها محنة وأمر ثقيل على النفس هذه من جهة.
ومن جهة أخرى ايثار رضا الله أمر ثقيل يحتاج إلى مؤنة _مؤنة معنوية بحيث أن تكون النفس راضية برضا الله سبحانه وتعالى وليس في النفس أي مؤنة. النفس هي نفس مجاهدة وراضية برضا الله سبحانه وتعالى عظمت المحن ولو ثقلت المؤنة مع هذا كله يجاهد ويصرّ على أن يقدم رضا الله سبحانه وأيضا ممكن أن يضعف عن الإيثار الطول والبدن .كيف؟
_الطول بمعنى المال يعني فلان طويل اليد يعني طويل البذل والانفاق.
قد يكون هذا الإيثار الروحي والمعنوي أمراً صعباً على الطول وبذل المال ومشقة البدن لانه ممكن لا يطاوعك حب المال ولا يطاوعك البدن أن تذهب من مكان إلى مكان.
اذن ايثار رضا الله يحتاج الى هذه الأمور الثلاث
1.تحمّل المحن 2.تحمّل المؤن 3. تحمل بذل المال ومشقة البدن في ايصال هذا المال لمن يؤثرهم على نفسه ويستطاع هذا بثلاث أشياء.
الشيخ في الدرجة الأولى أيضا اعطى الحلول الثلاثة بالنسبة على أن تؤثر الخلق على نفسك هذا في الدرجة الأولى.
في الدرجة الثانية أيضا يعطيك حلول انه كيف أنت تؤثر رضا الله على رضا نفسك ورضا الناس يقول ذلك يحصل ويستطاع في ثلاث أشياء
1. بطيب العود 2. وحسن الاسلام 3.وقوة الصبر
1.بطيب العود: المراد بالعود يعني الطينة يعني اصالة العشيرة والطينة الأصلية طينة الذات ورد في الروايات (انكم اذا تريدون أن تزوجوا اولادكم عليكم أن تنظروا إلى اصالة البنت أن تكون هذا البنت لا في منبت سوء في منبت طيب من بيت طاهر من بيت ايمان تاخذون البنات لاولادكم فالعود هو الأصل في طينة الإنسان فاذا كان الإنسان طيبا في اصالته يسهل عليه أن يقدم رضا الله.
والكل الثاني في رضا الله هو
حسن الاسلام يعني اذا كان دينك الاسلام دين اسلامي وانت تحسن قبولك للاسلام واطاعتك في ما ورد في الدين الاسلامي من خير وبذل مالٍ و إنفاق و ايثار عند ذلك أنت يهون عليك أن تقدم رضا الله على رضا غيره
وأيضا الطريق الثالث لتحصيل مثل هذا الإيثار الذي هو أقوى من الإيثار الأول أن يكون صبرك في بذل المال قويا إذا كنت صبورا في أن تبقى على الجوع وتقدم غيرك على نفسك طبعا هذا يحتاج الى مثابرة يعني قد تبقى جائعا وتعطي ما هو لنفسك إلى غيرك فكيف أنت _يعني هذا الطعام هو بمقدار ما تتغذى به ما عندك مال كثير لان الإنفاق غير الإيثار
ممكن صاحب الإنفاق عنده أموال كثيرة ويبذل على نفسه وغيره.
لكن المؤثر يعني من يكون المال بمقدار ما يحتاجه لنفسه ومع ذلك يبذل هذا المال والطعام إلى غيره
اذن هذا يحتاج الى تحمل يعني ممكن انت تبقى في حالة تعطي طعام نفسك إلى غيرك
واما الدرجة الثالثة من الإيثار الذي هو اعظم من الأولى والثانية وهو:
1.ايثار الله تعالى
يعني انت في الدرجة الأولى آثرت غيرك على نفسك وكانت النية هي تقديم خلق الله على نفسك أصلا أنت لا تنظر إلى الله إلى رضا الله ولكن تنظر إلى أن هذا الشخص الآن قد وقع ويريد ان يموت وانت تعطي طعامك له وهذا فرق على أنك تنظر إلى حبيبك وهو الله سبحانه ولا تنظر للمخلوق وانما كل همك هو الخالق ورضا الخالق فهذا اعظم من الدرجة الأولى.
بعدها ناتي للدرجة الثالثة.
الدرجة الثالثة من الإيثار يحتاج إلى فهم وهو أن تفهم الموضوع ما هو ترتيبه ويقول لك
1.ايثار ايثار الله: يعني انت تنسى الخلق تنسى نفسك تنسى صفات الله تنسى رضا الله ويكون الهم الوحيد هو الله سبحانه لا رضاه بل هو المحبوب الاجل يعني أنت قد حصل لك فناء في ذات الله فناء تام ليس في نظرك سوى الله سبحانه هذا هو الحبيب الاجل لا تريد أن تسترضي الله وانما عشق الله والعشق يختلف عن رضا الله إنما فناء في الله عشق في الله جمال الله كلشي في الله سبحانه وتعالى هذه درجة هي أكبر من الدرجتين الماضيتين والدليل على ذلك
يقول: فإن الخوض في الإيثار دعواً في الملك: يعني أنت بالنسبة للنتيجتين الاوليتين أنت تدعي الملكية أنت ترى نفسك مالكا لله ثم تأتي وتبذل لرضا الخلق أو لرضا الله سبحانه أما بالنسبة لايثار الله بمعنى أن تنسى غير الله من كل شيء ولا تدعي لنفسك ملكية أبدا بل ترى المالك هو الله سبحانه وتعالى فقط أنت حبا لله تكون مجرى لامر الله سبحانه.
ثم يقول
ترك شهود رؤيتك ايثار الله ثم غيبتك عن الترك
الدرجة الثالثة أيضا ثلاث مراتب المرتبة الأولى في الإيثار هو:
هو أن تجعل الله هو المقصد الأول والآخر في نفسك وتبذل هذا المال من غير ادعاء في سبيل الله وهذا قد ينطبق مع شهود رؤيتك ايثار الله يعني عندما تؤثر الطعام في سبيل الله ممكن أنك ايثار الله على نفسك هذا الإيثار تراه ولكن إذا لم ترى رؤيتك فعلك في نفسك وترى الله هو الفاعل في كل شيء هذا يعني المرتبة الأولى قد تنطبق مع أن ترى ايثار في نفسك لكن في النوعية الثانية انت أصلا لا ترى هذا الفعل شيئأ لا ترى له أي اعتبار .
ثم غيبتك عن الترك
يعني عندما تترك رؤية الإيثار في نفسك وترى أن الفاعل الكل بالكل هو الله سبحانه وتعالى هذه أيضا رتبة معنوية لكن اذا انت غابت نفسك عن أنك قد تركت الرؤيا هذا الانانية ويحتاج إلى منية على أنه نعم نعم انا افذي تركت شهود الرؤيا فهذا أيضا عيب أيضا اللي يكون في درجة عالية هذا عيب اذن أنت لازم تكون مغيب عن أنك أنت تركت شهود رؤيتك ايثار الله يعني هذا طبعاً يحتاج إلى عمق في الإيثار يحتاج إلى معرفة أيضا يعني النفس عندما تعلوا في درجات المعرفة والسلوك في سبيل الله يصل إلى مثل هذه الدرجة وهنالك قول بأن التروك هي أربعة
ترك الأولى ترك العقبى ترك المولى ترك التروك
التروك هي أربعة
ترك الأولى والأخرى يعني ترك محبة هذه الدنيا الدنية ترك التعلق في هذه الدنيا وهذا في أول درجة من التروك
ثم أيضا بعدما تركت الدنيا وما فيها وخرج حب الدنيا من نفسك ناتي إلى مرتبة ثانية وهو أن تترك العقبى وما فيها. العقبى يعني الأخرى يعني الدار الآخرة بما فيها من مراتب ومقامات وجنة ودرجات الجنة وكل هذه تتركها لأنك أنت تحب الحبيب وهو الله سبحانه لا تنظر لا إلى ثواب ولا إلى جنة ولا إلى نار إنما همك الوحيد هو الحبيب .
ثم ترك المولى اذن هذا كيف يحصل ؟ المولى وهو الله سبحانه وتعالى اذن كيف تترك الله يصير ؟ العرفاء يقولون يصير يعني شلون ؟ثم هم يفسرون يقولون أن أنت الله حجاب الانانية من الوسط ارفع الحجاب ولا تقول أنا وأنا أنا الذي لديه المولى أنا الذي أصلي للمولى أنا الذي انفق للمولى أنت تترك الانانية النفسية لان الذي فانيا في الله سبحانه لا يرى نفسه أبدا يعني اذا موحد توحيد كامل في الله سبحانه وتعالى يحرك ايدة يرى الله ينظر الاشياء يراها الله (اللهم ارني الأشياء كما هي) اذن هو في حالة توحيد ذاتي حقيقي اذن هذا يترك المولى من ناحية أنه أنا اعبد المولى وأنا وأنا إذا هذه كيف حصلت.
فيقول لك عندها اترك المولى ترك ذاتي ترك جهادي ثم يأتي إلى مرتبة أعلى يقول لك
ترك التروك كل هذه التروك عليك أن تتركها ولاترى غير الله يعني العين الناظرة عين الهية محضة وهذا يحتاج الى تخلية تامة التجلية لا تحصل الا بالتخلية الفنائية التامة من كل شيء وهذا أيضا يحتاج الى سير جهادي وأيضا يحتاج فهم عرفاني ويحتاج على حال كل ما يلزم في هذا الطريق
نسأل الله أن يجعلنا واياكم ممن اخلص في دينه وحبه وعشقه لله سبحانه والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.