38- منزل التواضع

38- منزل التواضع

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
وبه نستعين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الدرس الثامن والثلاثين أو بالأحرى المنزل   الثامن والثلاثين وهو منزل التواضع  من مئة منزل من كتاب منازل السائرين المرحوم الشيخ عبدالله الانصاري .
باب التواضع ، قال الله تعالى : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ..
(صدق اللَّهُ  العليّ العظيم)
التواضع أن يتّضع العبد لصولة الحقّ . عادة المؤلف انّه يذكر في اول كل باب من  ابواب  هذا الكتاب ان يذكر آية قرآنية تتناسب مع الدّرس ، حيث ان الدرس هذه الليلة حول التواضع ، الشيخ الانصاري استخرج من كتاب الله هذه الآية الشريفة وهي (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )
الذي يتعبّد للّه الرحمن فهو لا يتكبّر ، التكبّر يختصّ بالله سبحانه ، يعني من اسماء الله المتكبر ، من اسماء الله سبحانه المتكبّر ، لقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم .
اذا ، التكبّر مختصّ بالله سبحانه ، كما قال ” الكبرياء ردائي” . التواضع ان يتّضع العبد لصولة الحق ، الشيخ الانصاري يعرّف كلمة  التواضع ، يقول معنى ومفهوم التواضع هو انّ العبد يتواضع لصولة الحقّ ، الحق هو الله سبحانه وتعالى له صولة وكبرياء ،  اذا ، من حق العبد ان يتواضع لله سبحانه المتكبّر العظيم وهو على  ثلاث درجات
، الدرجه الاولى التواضع للدين
و الدرجة الثانية  ان ترضى بمن رضي الحق
و الدرجة الثالثة ان تتضع للحقّ
الدرجة الاولى من درجات التواضع ، انّ الانسان المتديّن بدين الاسلام ، عليه ان يتواضع لاحكام لله الجاري في هذا الدين  وهو أن لا يعارض بمعقول منقولا . ولا يتهم للدين دليلا . ولا يرى إلى الخلاف سبيلا .
التواضع الديني فسّره الشيخ الانصاري بهذه الجمل الثلاثة . الجملة الاولى  “لا يعارض بمعقول منقولا”  يعني ان الانسان عندما يتفكر ويتعقّل ويتعمّق  في امور ، عليه ان لا يتفلسف بما يراه في نفسه بل يتعبّد لله  بما هو المنقول من احكام  الله سبحانه سواء  كان في القرآن أو في كتب الحديث ، في كلام الثقلين حيث قد ورد من القوانين والتعاليم ما هو مهم ومفيد للبشرية جمعاء ، اذا فعلى العبد السالك ان لا يعارض هذه الاحكام بمعقولاته الشخصية ويتعبّد بما ورد في الشرع المبين  حتى ولو لم يذكر علّة كل حكم من الاحكام الالهية ، يعني هناك القليل من الاحكام المبيّن فيه علّة الحكم ، وانما الكثير من الاحكام ، احكام تعبديّة لله سبحانه وتعالى ،حيث اننا نعلم علمًا يقينا بانّ احكام الله تابعة للمصالح والمفاسد ، اذا حرّم شيئا لأنّ فيه مفسدة واذا أوجب شيئا لانّ فيه مصلحة ، سواء علمنا الحكمة الالهية من هذه الاحكام الشرعية والقوانين الدينيّة او لا نعلمها، حيث نعلم بان الله صادق حكيم لا يأمر ولا ينهى الا بما هو صالح للبشر .
واما الجملة الثانية : لا يتّهم على الدين دليلا ، يعني اذا ورد في الدّين تعاليم وقوانين فرديّة اجتماعيّة عائليّة سياسيّة ، كيفما ورد ، فهو عليه ان لا يتدخّل ويتّهم بأنّ مثلا في هذا المورد الله سبحانه وتعالى مقصّر ، و هو يذكر دليلا على هذه التهمة ،نرى بعض المتفلسفين والذين لهم رأي خاص في القوانين الاسلامية يأتون ويذكرون اشياء ويتهمون الدين بما يرونه من افكار وعقول بشرية خاطئة .
الجملة الثالثة  “لا يرى الى الخلاف سبيلا ” يعني لا يخالف في قوانين الله ، و يكون  متواضع لما شرع الله سبحانه وتعالى من احكام ، او حتى فيما يرد عليه من مصائب وبليات ، عليه ان يكون السالك دائما وابدا في حال تواضع وتسليم لما شرع  الله سبحانه . هذا طبعا الدرجة الاولى من التواضع ، ان يتواضع لاوامر الله ونواهيه لكن هناك  تواضع اكبر من هذا التواضع ، وهو ان يسلّم اموره لله سبحانه في كل ما يرد عليه ، طبعا هذا التسليم وهذا التواضع هو اكبر من ذلك ، لهذا في الدرجة الاولى يقول الشيخ لا يصح ذلك له الا بان يعلم بان النجاة في البصيرة والاستقامة بعد الثّقة ، يعني بعدما صار واثقا بالله وباحكامه ، هذا الوثوق يتطلّب بأن يأخذ طريق النجاة ، والنجاة يتّبع بصيرة السالك واستقامة السالك في طريق الله سبحانه وتعالى ، اذا من التواضع ان يكون بصيرا ومستقيما في جادّة الشرع  ، وانّ البيّنة وراء الحجّة ، البيّنة الذي يريد ان يبينها العبد بافكاره وآراءه ، هذه البيّنة متى ؟ متى ترد ؟ عندما لا يكون حجة الهية ، اما اذا كانت الحجج واحدة تلو الاخرى قد وردت في الثقلين ونرى ان ذلك هو المنهج الصحيح ، اذا فلماذا يأتي العبد  ويبيّن لنفسه وللمجتمع ما لم يقله الله سبحانه وتعالى ، هذا بالنسبة للدرجة الاولى من درجات التواضع ، وكما قلنا التواضع في الدّين يعني ان يكون متواضعا  لما شرّع الله سبحانه وتعالى من احكام وتعاليم وقوانين .
اما الدرجة الثانية ان ترضى بمن رضي الحقّ لنفسه عبدا من المسلمين اخًا .
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ)
التآخي في الايمان وفي الحبّ الالهي ، هذا التآخي لا بدّ ان يكون للعبد السالك ، اذا اراد ان يتّخذ رفيقًا واخًا  في طريق السلوك ، لا بدّ ان يتواضع له من الواجب ان ترضى بمن رضي الحقّ لنفسه عبدا من المسلمين اخا، يعني ان يرضى ان يكون هذا العبد المسلم الذي الله سبحانه وتعالى  عرّف عنه و طبعا اتخذه لنفسه عبدا ، هذا العبد السالك ايضا يرضى بمن رضي الحقّ ، لأن الله سبحانه وتعالى رضى ان يكون هذا الشخص عبدا لله سبحانه ، فاذا  كان عبدا لله ومدحه الله سبحانه وتعالى في كتابه ، طبعا الشخص الذي يكون بهذه الصّفة ، لا بد ان يكون متصفا بصفات الله ومتخلّقا باخلاق الله سبحانه ، طبعا يكون صاحب فضائل ويترك الرذائل ، يليق بالاخوة الدينية  بالاخوّة الالهيّة او الاخوّة السلوكيّة ، يليق بهذا المقام ، ثم يقول (وان لا تردّ على عدوّك حقا ) ، الله اكبر . هذا يعني ، من التواضع الاكبر والاعلى من الدرجة الاولى . يقول الشيخ من التواضع ان لا ترد على عدوك حقا ، يعني اذا عدوك كان صاحب حق وانت مديون اله ، مثلا ماخذ منه مبلغ كذا  وهو يطالب بهذا المبلغ وانت تقول لا بما انه عدوي و كذا فانا لا اعطيه هذا المال مع انه هو صاحب حق ، فالعداء اذا كان العداء دينيا ، هذا العداء وان كان دينيا وان كان بحق ، لكن اذا كان هذا  العدو ، ها ، يطالبك بحقوق وانت تعلم بانه هو انت مطلوب اله ، مطلوب ولازم ترد الطلب ، لازم ترد الحق ، فلماذا تستنكف ، ليس الحجة  انه انت تقول هذا عدو لله وعدو للدين ،اذا فهو يعادينا بالمسائل الدينية و الامور الدينية ، فاذا احنا ما رح نعطيه حقه ، لا . حق الناس على جانب وحق الله على جانب ، فهذا ما لازم يختلط ، فمن التواضع انّك تتواضع لأداء الحق حتى ولو كان طالب الحقّ عدوّا ، من اعداء الدين .
ثم يقول ” وتقبل من المعتذر معاذيره ” ايضا من التواضع في الدرجة الثانية انه اذا اجاك واحد ها ، ويعتذر منك ، ويقولك  مثلا انت ، انا مقصر بحقك ، انا اللي تعديت عليك ،انا كذا وكذا . فانت لازم تقبل منه وتقبل عذره ، ممكن يعني يتفق من جار لجاره ، او في ميدان العمل يكون واحد مثلا من رفقاءه ويصير بينه وبينه فد كراهية او مثلا كلمة مثلا ، كلمات غير مقبولة ، كلمات بيها اساءة او بيها فحش ، وبعدين هذا الشخص عرف انه ، ها ،  انه  مقصر ، وانه قد تعدى مثلا على الحيثية على جيرانه ، على مثلا بعض الامور ، فهذا ، اذا اجى واعتذر كما يقال العذر عند كرام الناس مقبول ،اذا ، فلازم تقبل منه ، وبعد ما تداوم بالزعل والكراهية اله ، تشيل الزعل ، لانه جاء ويعتذر منك فلازم تشيل الزعل منه . هذا من خواص التواضع في الدرجة الثانية . من خواص التواضع .
التواضع ان تقبل عذر من اعتذر عندك ، هذا بالنسبة للدرجة الثانية .
نأتي الى الدرجة الثالثة ، الذي هو اهم من الدرجة الاولى و الثانية . يقول الشيخ ان يكون التواضع في الدرجة الثالثة يختص بالله سبحانه ، اذا كان التواضع  في الدرجة الاولى بالنسبة لامور الدين ، وفي الدرجة الثانية بالنسبة لامور المسلمين والمجتمع الاسلامي ، اما الدرجة الثالثة التواضع هنا يختلف ، التواضع هنا يختص ، بان يتواضع العبد السالك لربّه سبحانه ، لله سبحانه ، طبعا هذا التواضع له كيفية ، هذه الكيفية يبينها في كلامه الشيخ .
الدرجة الثالثة : ان تتضع للحق ، فتنزل عن رأيك في الخدمة ورؤية حقك في الصحبة وعن رسمك في المشاهدة.
كل هذه الكلمات يبين تواضع السالم لربه سبحانه . التواضع للحق يتطلب هذه الامور الثلاثة .
الامر الاول ان تنزل عن رأيك في الخدمة ، يعني عندما تأتي وتتواضع لله سبحانه وتخدم شرعه ودينه او تخدم خلق الله ، كل ذلك لا بد ان يكون في نيتك انه ، انا اتواضع كل ذلك ، حيث انه مطلوب لله سبحانه والله يطلب مني ان اكون كذلك  ، فاذا ، بهذا الصدد عليه ان لا يدخل رأيه في ما يفعل من خدمات ، لان الخدمة اذا كانت لله سبحانه ، اذا ليس له رأي خاص في هذه الخدمة ، الخدمة خدمة الهية لله سبحانه وتعالى ، ‘خير الناس من نفع الناس ‘ ، اصلا بعض العرفاء يقول العبادة تنحصر في خدمة خلق الله ، اذا ، عليه ان لا يدخل رأيه وآراءه في خدماته و تكون الخدمة خالصة وطاهرة لله سبحانه . واما الامر الثاني في التواضع للحق هو رؤية حقك في الصحبة . انت تصاحب جماعة من المؤمنين ، من اصدقائك السالكين ، زين . عندما تصادقهم وتصاحبهم ، هل من التواضع ان لا ترى حقك ، يعني اذا ضيعت الحقوق حتى ولو كان الحق حق من عندك  ،يعني يجي واحد مثلا يريد يدوس على كل الحقوق لإلك ، حقوق دينية ، حقوق الهية ، خوب هذا ما يصير ، هذا مو من التواضع يترك حقوقه كلها لانه مصاحب فلان ابن فلان ، خوب كما ان صاحبك اله حق عليك ، انت هم الك حق على صاحبك . فاذا شفت هذا الصاحب او هذا الصديق يراعي حقوقك ، فاذا  هذا يكون شخص يكون ملتزم بالشرع ، واذا كان لا ما يراعي حقوقك ، فاذا ممكن ما يراعي حقوق غيرك ايضا ، فالصحبة  ، الصحبة من لوازمها  ان ترى صديقك هل هو يعترف بالحق او لا ، هذا شخص ما يفرق بين الحق ، وغير الحق يعني يظلم ، ممكن يظلم ، فشلون انت رح تصادق ظالم ،شلون ؟ لاجل هذا يقول من التواضع للحق سبحانه ان ترى الصحبة هل فيها من رعاية الحقوق او لا ، هذا بالنسبة للجملة الثانية نعم ، ممكن ايضا نفسر هذه الجملة بتفسير آخر ، يعني كلمة تنزل ، في اول الجملة هذا الكلمة تنزل ترد على الجملة الاولى تنزل عن رأيك في الخدمة ، وايضا هذه الكلمة ترد على الجملة الثانية يعني تنزل عن رؤية حقك في الصحبة وايضا ترد كلمة تنزل على الجملة الثالثة تنزل عن رسمك في المشاهدة ، فاذا كان كذلك فنأتي لتفسير الجملة الثانية نقول : من التواضع للحق سبحانه ان تنزل عن آرائك الشخصية ، هذا بالنسبة للجملة الاولى ، والجملة الثانية  ان تنزل عن رؤية حقك في الصحبة ، يعني تبذل كل حقوقك لاخيك المؤمن ، لاخيك السالك ، اذا عندك الحق ، تنزل عن رؤية الحق وتبذل ذلك الحق ، لصديقك في الله سبحانه ، هذا بالنسبة للجملة الثانية .
الجملة الثالثة وعن رسمك في المشاهدة ، طبعا هذا بتعمق اكثر من الجملتين الاولتين ، تنزل عن رسمك في المشاهدة  يعني في الشهود القلبي لله سبحانه ممكن يكون فيه بعض الرسوم ، لان السالك لله سبحانه هو  دائما  يتبع  الرسوم الحقيقية ولا الرسوم الظاهرية ، فانت في شهودك مع الله سبحانه وتعالى  ، قد يدخل الرسوم الظاهرية وهنا المشاهدة القلبية يصير بيها خلاء ، يصير بيها خلط ، ولهذا عليك ان تنزل عن الرسوم في موضوع المشاهدة ، يعني تتبع الشهود الحقّي في نفسك من غير رسوم من غير ما  مثلا  فيه من الرسوم ، كيف هي هذه الرسوم ، خوب مثلا اكو بعض ناس اذا  مثلا ما يصير ليلة جمعة وما يصير مثلا جماعة ، حلقة ذكر ، كذا ما يجي اصلا اي شهود ، اي شهود لله سبحانه في قلبه  ما يجي ، يقول  لازم مثلا  اروح اطلب حضرة الامام علي ، لازم كذا وكذا يقيد نفسه بقيود ، مع انه هذه الرسوم والقيود ، هذه غير وارد ، غير وارد في السير المعنوي الحقيقي ، فاذا انت في تواضعك لله ، تتواضع حتى عن الرسوم ، تتواضع ، يعني تحذف الرسوم وتتبع اصل المعنى من غير ما فيه من الرسوم ، مثلت لكم انه  ممكن الانسان يقيد نفسه بمثلا مجالس خاصة ، بحلقات ذكر ، بأشياء من هذا القبيل ، خصوصا بعض المتصوفة كان لهم خانقاه او  معبد خاص ، مثلا بالاسبوع ليلة يجون يجتمعون ويسوون ذكر وكذا ، بعدين يحصل لهم بعض الحالات المعنوية لكن الشيخ يقول اذا انت متواضع في نفسك لله سبحانه فلا بد ان يكون الشهود خالصا من الرسوم ، خالصا مخلصا لله سبحانه .
اسأل الله سبحانه ان يوفقنا جميعا للعمل بما ذكرناه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تمهید لتدریس منازل السائرین آیة الله محمدصالح الکمیلی الخراسانی

جدول المحتويات