قال علي(علیه السلام):
«… و ما برح الله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة و في أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم، و كلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع و الأبصار و الأفئدة، يذكرون بأيام الله، و يخوفون مقامه بمنزلة الأدلة في الفلوات.
من أخذ القصد حمدوا اليه طريقه، و بشروه بالنجاة و من أخذ يمينا و شمالا ذموا اليه الطريق، و حذروه من الهلكة، و كانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات و أدلة تلك الشبهات.
و ان للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا، فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه، يقطعون به أيام الحياة و يهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، و يأمرون بالقسط و يأتمرون به، و ينهون عن المنكر و يتناهون عنه.
فكأنما قطعوا الدنيا الي الآخرة و هم فيها.
فشاهدوا ما وراء ذلك فكأنما اطلعوا عيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه، و حققت القيامة عليهم عداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتي كأنهم يرون، ما لا يري الناس و يسمعون ما لا يسمعون.
فلو مثلتهم لعقلك في مقاماتهم المحمودة، ومجالسهم المشهودة، و قد نشروا دواوين أعمالهم و فرغوا لمحاسبة أنفسهم عن كل صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصروا عنها، أو نهوا عنها، ففرطوا فيها، و حملوا ثقل أوزارهم ظهورهم فضعفوا عن الاستقلال بها، فتنشجوا نشيجا، و تجاوبوا نحيبا، يعجّون الي ربهم من مقام ندم و اعتراف، لرأيت أعلام هدي، و مصابيح دجي، قد حفت بهم الملائكة و تنزلت عليهم السكينة، و فتحت لهم أبواب السماء و أعدت لهم مقاعد الكرامات في مقام اطلع الله عليهم فيه، فرضي سعيهم، و حمد مقامهم يتمنون بدعائه روح التجاوز.
رهائن فاقة الي فضله، و أساري ذلة لعظمته، جرح طول الأسي قلوبهم، و طول البكاء عيونهم.
لكل باب رغبة الي الله منهم يد قارعة، يسألون من لا تضيق لديه المنادح، و لا يخيب عليه الراغبون فحاسب نفسك لنفسك فان غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك.
المطالب السلوكية(المطلب الرابع)ص30