التمهید لتدریس منازل السائرین
التمهید لتدریس کتاب منازل السائرین سماحة آیة الله شیخ محمدصالح الکمیلی الخراسانی (حفظه الله)
صوت التمهید لتدریس منازل السائرین:
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين و صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
قد بدأنا بتدريس كتاب منازل السائرين للمرحوم الخواجة عبدالله الأنصاري رحمة الله علیه؛
و هذا الكتاب يحتوي على مئة منزل من منازل السير و السلوك إلى الله عزوجل و أول منزل هو اليقظة.
لأن الإنسان عندما ينتبه و يتيقظ ثم يتوب و يتوجه بقلبه و قالبه إلى الله عزوجل
و من بعد ذلك يتحرك باطنیاً و قلبیاً إلى أن يسير سير العرفاء بالله عزوجل؛الذين هم مستغرقون بذكر الله عزوجل ليلاً و نهاراً.
إذن على السالك أن يتوجه بقلبه و قالبه و في جمیع حركاته و سلوكه و كل أعماله و أفكاره إلى المحبوب و هو الله عزوجل
و لكن يجب عليه أن ينتهج بمنهجٍ و أن يسير بنظم و نظام. فمن نظم السالك أن يفتح قلبه بتوبة و خشوع و خضوع.
و من أصول هذا السير المراقبة و المحاسبة؛ أن يراقب السالك أفعاله و أفكاره و يتوجه بجميع وجوده إلى الله عزوجل
و يعتبره حاضراً و ناظراً على سره و سريرته و ظاهره و باطنه. فالمراقبة تبدأ؛
من السير العملي بمعنى أن تكون أعماله كلّها مطابقة للشريعة الإسلامية.
لماذا نقول الشريعة؟
لأن السالك عليه أن ينتهج بمنهج الشريعة ثم الطريقة و ثم الحقيقة.
و الشريعة؛ هي شريعة الله عزوجل و رسوله صل الله علیه و آله و هي الفقه الإسلامي.
فإذا كان السالك من غير المجتهدين فعليه أن يقلّد مرجعاً أعلماً متخصصاً في المسائل الفقهية و الشرعية.
طبعاً هذا السالك عندما يقلّد المرجع فإنه لا يكتفي بظواهر الشريعة و ظواهر الأحكام إنما يريد أن يجعل التطبيق الشرعي،
مثالاً: لمكنون قلبه بمعنى أن كلّ حكم من أحكام الشريعة يتبع سراً من أسرار الحقيقة،
فمثلاً؛ الصلاة لها ظاهرٌ و باطنٌ و أیضاً لها أحكامها في الظاهر، لکن عمل السالك مسألة الباطنية.
إن السالك لا يكتفي كالآخرين بتكثیر من صلاته العملية و العبادات و الأعمال حتی يتقرب بها إلى الله عزوجل
فهو يريد أن يستنير و يستضيئ بنور الصلاة و كذلك في شهر رمضان و الصيام فیه،
إن السالك يريد أن يستضيئ قلبياً و عملياً من أنوار الصيام و هكذا في كلّ واجب و مستحب لا يكتفي بالظاهريات.
فإذا كان السالك يجعل الشريعة منهجاً عملياً لسيره و سلوكه و يستضيئ من أنوار هذه الأعمال الفقهية الشرعية
عند ذلك يتحرك بحركة باطنية و يتوجه نحو الله عزوجل. فإذا عمل بالأحكام الإلهية بهذا المنظور و الهدف يتحرك إلى الله عزوجل.
و يجعل هذا المنهج الشرعي طريقاً للوصول إلى الله عزوجل.
فلهذا نقول الطريقة بعد الشريعة يعني السالك عندما يطبق الشرع يتحرك طريقياً و عملياً نحو الحقيقة.
هنا یُطرح سؤال: أنه عندما السالك يُطبّق الشرع و ينتهج طريقياً إلى الله عزوجل
فما معنى الحقيقة؟
أقول: المقصود من الحقيقة هي الحقيقة المطلقة الإلهية و هذا ما يكمن في ضمير و سِر السالك،
بمعنى الفطرة التوحيدة الإلهية في الإنسان كما في الحديث المعروف:
«كُلّ إنسانٍ يُولَد عَلَى الْفِطرَةِ و لَكنْ أبَواهُ يَهَودانَهُ أو يَنصّرانَهُ» .
ففطرة الإنسان فطرة توحيدية إلهية و لهذا السالك المكلف عندما يتكلف
و يتعهد بأن يمشي على طريق الشرع شیئاً فشیئاً يتوجه نحو الحقيقة و الفطرة التوحيدية.
و في باطنه يصل إلى الله عزوجل بعد سير المنازل تدريجياً. أقول تدريجياً و لیس دفعياً،
بمعنى إن السالك يجب عليه ألّا يستعجل في الطريق إلى الله عزوجل و الوصول إليه و ينتهج بمنهج تدريجياً إلى أن يصل إلى الهدف و الغاية،
مثلاً: الطعام إذ لم ينضج بطبخ لا يُمكن أكله فلابد من أن ينضج حتى يكون مهيئاً للأكل كذلك الطريق إلى الله عزوجل
لابد أن يتدرج تدريجياً حتى تنضج المعاني التوحيدية.
بحيث إن السالك لا يشتبه و لا ينحرف عن المقاصد العليا،
يعني السالك إذا لم يتدرج درجة بعد درجة يُبتلى بأمراض جسدية أو روحية
و لهذا نقول: السالك يجب أن يكون یأخذ بیده أستاذ أخلاقي عرفاني حتى لا ينحرف و لا يبتلى بإفراط أو تفريط في هذا الطريق.
إخواني أعزائي أحبائي هذا المختصر من مقدمة دروسنا و یُعد الدرس الأول،
فنقتصر بهذا المقدار ثم ندخل إن شاءالله تعالی في أبواب مختلفة
و قد لا تكون هذه الأبواب مسلسلة من الباب الأول إلى الباب المئة بل بين الأبواب نأتي و نستخلص بعض المطالب
و في هذا اليوم بینا مقدمة لكي نتبع هذه المقدمة بدروس متتالية إن شاء الله.
و أسأل الله عزوجل أن يوفقكم جميعاً لما فيه الخير و الصلاح و محبة الله عزوجل.
أعزائي إن المحبة هي الأصل و إن قلوبنا تحب من خلقنا و هو الخالق و الرازق التمهید
و المالك و القابض و الباسط و إليه المرجع إذن علينا أن نستحضره في جميع حركتنا و سكناتنا.
لمتابعة صفحة سماحة الشیخ محمد صالح الکمیلی اضغط هنا